القضاء يحمي تمارة: اجتهادات ريادية

أضحى لتمارة حريصي قرار يحميها من العنف الأسري. وضع قاضي الأمور المستعجلة في جبل لبنان حسن حمدان، أمس، حداً للعنف الأسري الواقع على تمارة، عبر قرار الحماية الذي أصدره من بعبدا.
وبذلك، ينتصر القضاء، للمرة الثالثة على التوالي في أقل من شهر، للنساء المعنفات في لبنان، عبر إصدار تدابير حماية شجاعة، مستفيداً من قانون العنف الأسري وعبر تفسير رائد لمفهوم العنف نفسه. وأبرز القضاة الثلاثة، جاد معلوف وزلفا الحسن وحمدان، تطويراً كل على طريقته.
عليه، قرر حمدان إلزام الزوج المعنف ح.ح.ف. بالامتناع عن التعرض للمستدعية (تمارة) وابنتها ووالديها وسائر أفراد أسرتها، وتسليف مليون ليرة لبنانية على حساب مأكل وملبس ومسكن لها ولابنتها وستمئة ألف ليرة على حساب الحاجات التعليمية للأخيرة، وثلاثة ملايين ليرة على حساب علاج المستدعية، والامتناع عن الإضرار بممتلكاتها وأغراضها، حيثما وجدت، سواء في المنزل الزوجي أم في غيره.
ورخص القاضي حمدان لتمارة بالخروج والدخول إلى منزل الزوجية ساعة تشاء لإخراج ممتلكاتها الشخصية أو الإقامة المؤقتة أو الدائمة فيه، أو الإقامة لدى أهلها إلى حين فض أمر العلاقة الزوجية، ومراجعة المحكمة هاتفياً عند الضرورة عبر المحامي الوكيل، وحفظ حقها في طلب تعديل التدابير المتخذة زيادة أو نقصان.
وأشار القاضي حمدان بـ«إبلاغ مضمون قراره من جانب النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان للنظر في الاستعانة بالقوى العامة ذات الاختصاص لإنفاذ التدبير أصولاً، ومتابعة مدى وجود مخالفة لهذا القرار، والترخيص لمنظمة «كفى» إيداع الملف اقتراحات بشأن أي تدابير إضافية للنظر في اتخاذها».
ولفتت المحامية ليلى عواضه من «كفى»، التي تساند الضحية قانونياً، إلى أن «قضية تمارة يمكن أن تكون مشابهة لقضية رولا يعقوب التي قضت إثر العنف الذي مارسه زوجها بحقها واعتبر القضاء أن وفاتها نتيجة تشوّه خلقي في شريان أم الدم. وأشارت عواضه إلى أن تمارة تعاني من تشوه خلقي في القلب، عبر وجود شريان مسدود، وضعف في عضلة القلب، لتسأل: «هل إذا قضت تمارة عبر العنف الزوجي سيتم اعتبار وفاتها طبيعية، وبالتالي سيكون مصير دعواها القضائية مصير دعوى رولا يعقوب نفسه؟».
وسألت عواضه عن موقف المحكمة الدينية لطائفة زوج تمارة هنا، «فها هو (أي الزوج) يبتزها بالطلاق من الحبس ويربطه بتنازلها عن دعواها ضده، ويرسل لها رسائل تفيد أنه لن يطلقها «لو بتشك براسها ريش». وقالت عواضه إن زوج تماره يتعسف لأنه يعرف أنه بإمكانه أن يفعل هذا». ولفتت عواضه إلى أن العنف الزوجي والتوتر تسببا لتمارة بمرض البهاق الجلدي، وأن زوجها استمر بتعنيفها وضربها بقسوة حتى مع علمه بمشاكلها القلبية، ولذا فإن الدعوى هي «محاولة قتل» وليس عنفاً أسرياً. وستودع «كفى» النيابة العامة ملفاً كاملاً عن الوضع الصحي لتمارة لضمه إلى الدعوى ضد زوجها «لكي لا نصل إلى المصير نفسه الذي وصلت إليه قضية رولا يعقوب».
أما على الصعيد الجزائي لمعاقبة المعنف، فقد صارت الكرة في ملعب النيابة العامة، فهل ستحول زوج تمارة إلى المحكمة مباشرة أم إلى القضاء الجزائي، وبماذا ستدعي عليه وبأي جرم؟

قراءة قانونية

تعليقاً على القرار، لفت المحامي نزار صاغية لـ«السفير» إلى ثلاث ملاحظات إيجابية تتلخص في تشديد حمدان على اعتبار التعرض للحرية الشخصية للضحية بمثابة عنف نفسي، ومنحها الحق بالإيصال بالمحكمة عند حاجتها لذلك، كما أنه أعلن عن وضع خط ساخن في خدمة النساء المعنفات في سابقة لم تكن موجودة قبلاً، كما رخّص القاضي لـ«كفى» تقديم اقتراحات لأي تدابير حماية إضافية، وهذا «مهم ويشير إلى أن المحكمة اعتبرت المجتمع المدني صديقاً يسترشد به القضاء».
وكان صاغية قد توقف عند دلالات مهمة في قرار الحماية الصادر عن القاضي معلوف في قضية تعنيف ريما (اسم مستعار) من جانب زوجها. وأشار في مقال نشره في «المفكرة القانونية» إلى أن معلوف اجتهد في تعريف العنف. وعليه لم يعد «يقتصر على حالات العنف التي خصها القانون بالذكر، وهو لم يذكر حالات العنف المعنوي، مثل إكالة الشتائم والتحقير والاستيلاء على الأوراق الثبوتية والهاتف الخليوي ومنع الخروج من المنزل، وهو ما لحظه قرار معلوف.
واعتبر صاغية دور معلوف ريادياً في تناول لائحة تدابير الحماية «كلائحة إرشادية يمكنه تطويلها عند الحاجة». عليه، «وسّع التدابير لتشمل ابن الزوج البالغ من العمر عشر سنوات (نفهم أنه من امرأة غير المستدعية) بعدما تبين له أنه يتعرض للعنف أيضاً، من خلال إقدام والده على تعنيف زوجته أمامه، وهو ما يشكل بحد ذاته عنفاً أسرياً يسبب إيذاء نفسياً».
وسجل صاغية حساسية فائقة إزاء حماية العائلة، فمنع معلوف نشر اسم المستدعية أو زوجها في حال نشر القرار أو في ما يتعلق بالمسألة الراهنة.
واستخلص صاغية أن قرارات الحماية التي صدرت عن القضاء المستعجل جاءت بمثابة تنبيه للرأي العام أنه بإمكان القضاء أن يؤدي دوراً أساسياً ليس في تطبيق القانون فحسب، إنما في استكمال بنوده وتصويبها أيضاً، وعلى نحو قد يسمح بتجاوز الشوائب الكبيرة الواردة فيه والتحفظات عليه عبر تغليب أسس المنطق الحقوقي على الحسابات الطائفية التي يبقى المشرّع أسيرها.
ويظهر العمل القضائي مجدداً أنه يتفاعل مع التخاطب العام وتطور الوعي العام. وهذا الأمر يضيء على أهمية نجاح المنظمات النسوية (وفي طليعتها منظمة كفى) في فرض قضية العنف ضد النساء كقضية عامة، مشيراً إلى أهمية توظيف هذا الأمر في الدفاع عن استقلالية القضاء في مواجهة أي تدخل. ورأى صاغية أن قرار معلوف يفتح الباب أمام تطوير الدور الحمائي للقضاء ليس للمرأة فحسب، إنما أيضاً لجميع الفئات وفي المقدمة عاملات المنازل.
ورأى صاغية أن هذا الاجتهاد ما كان ليحصل لو ترك أمر إصدار قرار الحماية للنيابة العامة كما طالب بعض المجتمع المدني، «فعدا عن أن النيابة العامة لا تتمتع بفعل تنظيمها التسلسلي الهرمي بضمانات الاستقلالية الكافية، فإنها تبقى بطبيعة عملها وصلاحياتها غير قادرة على الاجتهاد على النحو الذي تقدم. وأشار إلى أنه «لا يرد بالخشية من ممارسة ضغوط على المرأة للتنازل عن حقوقها بانتظار قرار الحماية، فبإمكان قاضي الأمور المستعجلة أن يتخذ القرار في اليوم نفسه ولو كان عطلة، فيما أن الرابط القوي بين النيابات العامة غير المستقلة وأصحاب النفوذ قد يحولها الى عامل الضغط الأول لثني المرأة عن حقوقها ولتغليب التسويات».

السابق
الـ ’آي باد’ كتاباً مدرسيّاً في كندا
التالي
الفرقة المفضلة لدى بشار الأسد تغني له: أنت مقزز جداً