مهزوم في ملعبه

أعترف بأنني تعودت على نتنياهو. وتوقفت عن الغضب من وعوده الفارغة، وصار واضحاً لي أنه ينقاد فقط لنزعة البقاء سياسياً. وأنا لست غاضبة على الترف، إذ لماذا الغضب في كل مرة؟ فمثل زوج يبقى معك سنوات طويلة، فتفهم بعد فترة ما الأمور التي يتحملها وما الأمور التي من غير المنطقي انتظارها منه.
وثمة أمر واحد فقط لا أفلح في فهمه. يفترض أن نتنياهو بطل إعلامي، فقد تأسس على القدرات العجيبة لقول الكلام الصائب. إذاً، كيف يسقط مرة تلو مرة في هذه الحلبة، ويتركها فارغة لخصومه؟ فمن منطلق رغبته في حماية إسرائيل، نتنياهو يخدم بشكل متكرر كارهيها. ويبدو أنه غرز في اللغة الإعلامية القديمة لغة محاربة، رادعة ظاهريا، وأنه ببساطة لم يعد يؤدي مهمته.

ومنذ سنوات فهمت القيادة الفلسطينية أن إسرائيل تخسر في الحلبة الإعلامية، وتصرفت وفق ذلك. وهي تواصـل بث الكراهيـة داخليـاً من جهـة، لكنها تتـحدث أمام العالم بكلمات جميلة. بل ان أبا مازن الذي كان زعم في الماضي أن الصهيونية تختلق أحجاما للمحرقة النازية لأغراض الدعاية، فجأة وصف المحرقة بأنها أكبر جريمة بحق الإنسانية. لكن نتنياهو يبدو كأنه يرفض فهم أن الموسيقى الإعلامية يجب أن تتغير.

وبغية التحرر من قيود الصورة التي تورطت إسرائيل فيها، ينبغي لنتنياهو الكف عن أن يكون حربياً في كلامه. وأفضل له ولنا أن يكف عن أن يكون أول من يقفز ويحذر، أول من يعلن أن هذا غير مقبول أو أنه يشعر بالخيبة. إنه فقط يحيد الخطوات الإيجابية التي يفعلها عبر تصريحاته. وكما لا ينبغي الإعلان عن البناء الاستيطاني في المناطق، ليست هناك جدوى من القفز وتحذير العالم من روحاني حتى قبل أن يتسلم مهمات منصبه.

وحتى إذا كان محقا، وأن الوحدة الفلسطينية فعل خطير، كان ينبغي لإسرائيل ظاهريا أن تدعي أنها تمنح فرصة وتبتسم وتعرب عن أملها. فليس من الحكمة رفض هذه الحكومة قبل أن تتشكل. والعالم يريد سماع كلمات رقيقة ومقبولة، إذاً لماذا لا ندع القيادة الفلسطينية المشرذمة تكشف وحدها مشاكلها؟ فمشاكلها سوف تبرز، وهذا سيخدم إسرائيل إذا لم يضرها نتنياهو بأقوال تنال كل الاهتمام.

بل ان إرسال «مقربين» ليقولوا كم أن إسرائيل نشعر بالخيبة من الولايات المتحدة، ليس سوى تكتيك لم يثبت نجاعته. لماذا إذاً تكراره؟ وحتى إذا كان موقف الولايات المتحدة مخيبا للآمال، فإن الضرر أكبر في التشاجر علنا بدلا من حل الخلافات حول المقاربات خلف الستار. وفي الأجواء الإعلامية الحالية، فإن من يتحدث بنبرات كهذه لا ينال الرضى ممن يصغون. وسيكون هناك من سيقولون ان الأمر غير ذي شأن، لأن نتنياهو معني فقط بالسياسة الداخلية، وليس بالسياسة الخارجية. وهو يتحدث بشكل يبقيه مسيطرا، أما بقية الأهداف فتحتل مكانا ثانيا.

ولكن هذا كف منذ زمن عن أن يكون صحيحا. فالسلوك الإعلامي الذي يجسده يبقي الطريق فارغة لمن يفسر بشكل أدق القواعد الجديدة. من كان يصدق أن أفيغدور ليبرمان تحديدا من بين كل الناس، سيأخذ هذه المهمة منه. وبدلا من رفض كل شيء مسبقا والتهديد في الهواء، يبادر. ويضع على الطاولة خطة بديلة، مثيرة للاهتمام، صائبة. فقد فهم أن قواعد اللعبة أخرى. وتبين أن ليبرمان يعرف كيف يقول الكلمات الصائبة حينما يريد أن يترك انطباعا.

السابق
حنا غريب: إضراب اليوم والغد لن يشمل المدراس الخاصة والرسمية تجنباً لتعطيل الامتحانات المدرسية
التالي
وزير التربية يستعين بالمتعاقدين والمؤسّسات التربوية الخاصّة لإجراء الامتحانات