الصيف الحار

باراك اوباما

عادت النورماندي بعد سبعين عاماً مركزاً للعالم. معركة النورماندي كانت المعركة الكبرى، التي فتحت مسار تحرير العالم من النازية. يأتي هذا في وقت يتقدم فيه اليمين المتطرف على مساحة أوروبا». الكبار «اجتمعوا وناقشوا. ادارة العالم كانت «الصحن» اليومي. لكن هذا «الصحن»، لم يعد تناوله سهلاً، لان الأكبر فيهم لم تعد «أنيابه» قوية. باراك أوباما ليس روزفلت ولا جون كنيدي ولا حتى جورج بوش. المضيف، وهو فرانسوا هولاند، هو الذي يستقبل ويودع، لكن رأسه في مكان آخر بين باريس حيث يعاني من السباق بين انهيار سياسته وشعبيته، وبين خلافه العلني مع رئيس النادي أوباما. أما «القيصر» فكان حاضراً. ليس مؤثراً كثيراً ان يكون الغائب – الحاضر لأنه في قلب الأحداث والنقاشات. لو كان أي رئيس من خارج نادي الكبار، لما كان يعني غيابه أكثر من عدة دقائق من المناقشات، أما «القيصر» الذي يحمل «نجمة» روسيا سواء أكانت حمراء أم بيضاء، فإن أمره مختلف. يجب العثور على حل سريع معه، لأن عزله مستحيل وانعزاله غير وارد. «القيصر»، أعاد روسيا الى «الطاولة «، ولن يسمح بخروجها، لذلك لن تتوقف الاتصالات والمفاوضات، طلباً للحلول تبعاً لأهميتها من المهم الى الأهم.

أوكرانيا هي العقدة وهي الحل. «القيصر» بلع القرم، والمفاوضات ستكون على أوكرانيا. اي مكسب يحصل عليه سيكون ربحاً إضافياً له ولروسيا. بوتين لن يتوجع إذا ترك أوكرانيا لمصيرها المعقد، وأزماتها الاقتصادية الضخمة والعميقة، وليحمل الغرب كله الكستناء الأوكرانية عن النار ويحرق يديه. المهم بالنسبة الى بوتين ألا تنضم الى الحلف الأطلسي، وهو ما سيحصل عليه مع تنازل محسوب في أزمة أخرى تطال أحد «الصغار».

في النورماندي، عُقدت عدة قمم في قمة واحدة. المشكلة الروسية مع الغرب أخذت معظم الوقت. من الطبيعي أن يقال وماذا عن العالم وملفاته المشتعلة خصوصاً الشرق الأوسط؟

يبدو أن ملفات الشرق الأوسط كانت مدار القمم الرديفة. من الطبيعي جداً أن جون كيري أطلع أوباما على نتائج زيارته المهمة والخاطفة والحساسة للبنان. من الواضح ان واشنطن مهتمة بالمحافظة على السلم الأهلي البارد. المفتاح في سرعة انتخاب رئيس الجمهورية. في السابق كانت الإدارات الأميركية توفد سفيراً ولو من حجم مورفي للتعامل مع الحدث. مجيء وزير الخارجية بنفسه، يؤكد مدى اهتمام الإدارة الأوبامية ولكن أيضاً عدم توجهها حالياً الى تحديد الرئيس الذي تريده. من الواضح أيضاً أنها قبلت المعادلة الجديدة وهي أن طهران حلت مكان دمشق في لبنان. أما «حزب الله» فإن الاعتراف بدوره هو دعوة له إلى العمل بإيجابية، ليستحق شرعية الدور. لكن يبدو ان الفرنسيين الذين لهم حق الرعاية خرجوا متشائمين من نتائج زيارة كيري، فالحل ليس غداً، والفراغ باقٍ وحالياً المهم تقصير مدته، بالعمل مع طهران والسعودية، عبر تحييد هذا الملف عن استمرار الخلافات.

أما سوريا ففي قلب الخلافات بين الغرب وروسيا، وبين أوروبا وتحديداً بين باريس وواشنطن، في وقت كان يتلقى فيه أوباما تقارير عن خلافه مع وزيرة خارجيته السابقة هيلاري كلينتون، والتي جاءت التطورات لتؤكد صحة موقفها وضرورة تحويل الموقف الاوبامي ولو بزاوية محدودة الا اذا كان قراره ما زال ترك حرب الاستنزاف مفتوحة حتى القبول بالجزء الأساسي من مطالبه غير المعلومة بدقة. لكن وبحسب الفرنسيين فان الصيف سيكون «حاراً» جداً على الصعيد العسكري.

أخيراً فإن مصر في قلب المتابعة. دعم الرئيس السيسي مفتوح. الجميع يريدون عودة مصر بالتحالف مع السعودية الى لعب دور أساسي في المنطقة لإعادة التوازن مع إيران وحلفها. أيضاً للعمل على ضرب الإرهاب في عقر داره وأينما كان. ليبيا مرشحة لتدخل مصري – جزائري. لم يعد مقبولاً ولا محمولاً ترك ليبيا وخزانات أسلحتها مفتوحة للإرهاب لتنظيم «القاعدة» بكل تشعباته ومسمياته. الإمساك بأمن ليبيا يريح المنطقة.

عندما يقرر «الكبار» ليس على «الصغار» سوى الالتزام بأحجامها وموازين القوى.

السابق
آمال واهية على تأييد أميركي لرئيس قوي
التالي
وضوح ما بعد الثورات