46 مجلة كُتبت باليد في «الأميركية»

تحيل الصور، في توزعها على لوحات خشبية، إلى تقليد مدرسي شهير. كأن هذه الصور، كبيرة الحجم، جزء من مجلة حائط لطلاب صغار. وتعزز ذلك الشعور الكتابة اليدوية ولصق صور ورسمات إلى جانبها. لكن في وسط إحدى قاعات «الوست هول» في «الجامعة الأميركية» في بيروت، توضيح لموضوع المعرض، الذي انطلق أول أمس، بعنوان «المجلات المكتوبة باليد: من 1899 إلى 1933». العلب الزجاجية المقفلة تعرض مجلات متكاملة، مشغولة تصميماً وكتابة باليد، والصور المعلقة ليست إلا عينة من صفحاتها.

وتبدو غزارة هذه المجلات، في ثلاثة عقود تقريباً، متسقة مع حراك طالبي علمي وأيديولوجي، في المنطقة، شهدته تلك المرحلة التأسيسية العابرة بين قرنين. على أن ذلك ترافق، كما تدل هذه المجلات المشغولة من طلاب «الكلية السورية البروتستانتية»، الاسم السابق لـ«الأميركية»، مع محورية الجامعة وإنتاجها في تعزيز الحياة اليومية والثقافية للمجتمع. وهذا ما يجعل حياة الطلاب غزيرة. وهو ما لا يبدو، في الراهن، مثبتاً وفاعلاً.

لا يفوت كتّاب ومحررو المجلات هذه موضوعاً لا يتناولونه. هذا «الأستاذ أنطون سعادة» الذي يكتب في «مبادئ السياسة»، وهو أشهر مِن أن يُعرّف لقراء «العروة الوثقى» في عدد في العام 1933، على ما يشير محررها في تقديمه النص، «بلحيته السوداء التي حير بها الطلاب فسألوه عن سبب إرخائها حتى برّموه وهو يجيبهم بالمثل المأثور: واحد حامل لحيته والثاني تعبان فيها».

وفي المجلة نفسها يكتب محمد أديب، في العام 1929، عن «القومية والإنسانية».
وتغطي مجلة «الثمرة»، في العام 1920، مسابقة في الخطابة تنظمها «جمعية العروة الوثقى»، ويفوز صاحبا المركزين الأولين بكتب بقيمة 200 غرش و100 غرش. ولا يبقى لصاحب المركز الثالث غير كتاب سيرة محمد علي باشا. ويبدو «قوم العلمية»، كما تعنون «العروة الوثقى» في العام 1924، وهم طلاب الدائرة العلمية في الجامعة أقوى من غيرهم في «يوم الألعاب». ولا يفوت محرر النص أن يسطر، بالأحمر، كلمة قوم، كلما استعملت، عند تعداد أسماء أفرادها. ومن القوم «البطلان ميشال سماحة وشفيق داود»، كما كتب تحت صورتين، يبدو فيهما البطلان نحيفين، بالرغم من أن الأخير في رسمه ووقوفه المثبت في الصورة، كما جاء في الخبر، يقف «وقفة المنتصر بعد استلامه أوسمة النصر».
تغلب على هذه المجلات الوقتية. فهي لا تستمر إلا سنة، في الغالب، وتصل أحياناً إلى سنتين. وهذا ما تجاوزته مجلتان فحسب، من المعروضات. أولهما «Student Union Gazette» التي تأسست في العام 1912 واستمرت إلى 1932. ويظهر واضحاً، منذ العشرينيات، تميز عملية إخراجها الفني.

أما المجلة الثانية فهي «العروة الوثقى»، التي انطلقت في العام 1923، وتجاوزت المجلة السابقة، في الاستمرار، بسنة واحدة. على أن ما يجمع بينهما، وهو مبرر أول لاستمراريتهما، انطلاقهما من وحدات تنظيمية طالبية لا بمبادرات فردية.
ويغلب، في تعريف المجلات لنفسها، القول إنها مجلات علمية، أدبية وفكاهية. وهذه الخلطة ما قد تعبر عنه، ربما، صورتان تقارنان بين شخصين، من باب الفكاهة، لتثبت أن دارون، الذي لأفكاره حكاية خاصة في الجامعة، كان على حق في اعتقاده أن أصل الإنسان قرد.
عدا الكتابات الأدبية والعاطفية وأخبار نشاطات الطلاب والحياة الجامعية، يخصص المعرض حيزاً واسعاً لإعلانات هذه المجلات. وهي، على ما كتب في أعلى إعلان في مجلة الكلية في أيار 1899، أحد مصادر تمويل المطبوعات هذه. إذ «يدفع عن كل إعلان غرشاً لا غير». وكان الإعلان، في الصفحة المذكورة، يروج لرواية «حرب النساء». وهي «رواية تاريخية غرامية أدبية تأليف الشهير اسكندر دوماس معربة عن الإفرنسية بقلم الكاتب المناضل خليل أفندي زيدان». لكن إعلاناً للصلاة عن روح الملكة فكتوريا، في مجلة «الكنانة» في العام 1901، يظهر أحد سمات الكتابة باليد، وهي مسألة متكررة. إذ تُشطب الجملة الخاطئة، ويصحح فوقها بخط صغير ما يريد كاتب النص قوله. أو تعتمد صورة مأخوذة من مجلة أجنبية، ربما، لإعلان نظارات يضاف إليها بخيط اليد فوقهـا «اقصد محل مجذوب إخوان»، كما في «العروة الوثقى» في العام 1924.

46 مجلة
أصدر طلاب الجامعة، بين العامين 1899 و1933، 46 مجلة. على أن المعرض يركز بشكل أساسي على 38 مجلة كتبت بخط اليد. وتشير رئيسة «نادي الرئيس» منى شمالي خلف، في تقديمها للكتيب المرافق للمعرض، إلى أن كل مجلة كانت تصدر نستختين من كل عدد، واحدة يتداولها الطلاب في ما بينهم، بينما توضع النسخة الثانية في المكتبة. وتشكل المجلات الصادرة بالعربية (24 مجلة) ضعف المجلات المكتوبة بالانكليزية، بالإضافة إلى 3 مجلات بالفرنسية. وتستعمل 7 مجلات أكثر من لغة واحدة. ويمكن لهذه المجلات أن تكون متخصصة مثل مجلة «الكودك»، التي تأسست في العام 1904 ولم تستمر بعدها، وهي «جريدة فوتوغرافية تصدر أواخر كل شهر، مؤسسها ومديرها اسكندر شاهين مكاريوس». ويستمر المعرض إلى الخامس من الشهر الجاري، ويفتح أبوابه من العاشرة صباحاً حتى الخامسة عصراً، على أن تعود بعدها المعروضات إلى المجموعة الخاصة بمكتبة جافت في الجامعة*.

* يستمر المعرض حتى الخامس من الجاري ويفتح أبوابه من العاشرة صباحاً حتى الخامسة عصراً في «الجامعة الأميركية»

السابق
كيري اعرب عن قلقه من مشاركة حماس في الحكومة الفلسطينية المقبلة
التالي
سقوط قذيفة من سوريا على موقع اسرائيلي في الجولان