سوريا: ماذا يريد حقاً الرئيس؟

جاء خطاب الرئيس باراك أوباما في حفل تخرج الأكاديمية العسكرية في ويست بوينت West Point ليشير – وإن كان بصورة غامضة – إلى مظاهر اتجاه جديد في سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا، أحد هذه المظاهر هي أن «الرئيس سوف يسعى إلى الحصول على دعم الكونغرس من أجل تسليح وتدريب المتمردين السوريين وتزويدهم بالعتاد المطلوب». ولكن دعونا لا نتسرع في هذا الأمر، ففي إيفاد تال على هذا الخطاب قام به أحد أعضاء الإدارة الأميركية البارزين، قال فيه إن ما كان يدور في خلد الرئيس هو «مناقشة مع الكونغرس حول احتمالية أن يكون هناك دور عسكري للولايات المتحدة» في تقديم المساعدة للمعارضة المسلحة. وأضاف المتحدث البارز أن الرئيس يريد «أن يأخذ في الاعتبار ما إذا كان اقترابا يتضمن دورا عسكريا من جانب الولايات المتحدة يمكن أن يضيف شيئا إلى قدرة الولايات المتحدة على زيادة الدعم للمعارضة، ولكن حينما نأتي إلى هذا الأمر، فيجب أن يكون جزءا لا يتجزأ من الاستراتيجية الأكبر التي تضم الشركاء والحلفاء».
وجد الصحافيون أنه من الصعب تجاوز شكوكهم، «هل قامت الإدارة باتخاذ القرار باقتراح هذا الأمر أم ليس بعد؟»، هل ما تقولون لهم عن هذه الفكرة الكبيرة المتعلقة بالتنسيق والحوار هو عبارة عن مجرد تأخير؟.. هل هناك أي شعور بالمسؤولية العاجلة هنا؟
من الجلي تماما أنه ليس هناك أي شعور بالمسؤولية العاجلة، فطبقا لهذا المسؤول فإن «المناقشة والحوار مع الكونغرس سوف تكون مسألة مستمرة بالنسبة لنا ونحن ندخل فصل الصيف». فهناك – طبقا لهذا المسؤول – ببساطة سؤال منفصل متعلق بالمسؤوليات الإضافية التي يمكن أن تكون ضرورية لقيام القوات المسلحة الأميركية بالمشاركة في جهودنا، وهذا السؤال سوف يناقَش في الأسابيع المقبلة.
هل من المعقول أن يكون صحيحا أنه على مدار عامين من التحول العميق للأزمة السورية إلى الطبيعة المسلحة لا تزال إدارة أوباما ينقصها المعرفة الضرورية المتعلقة بالصلاحيات القانونية ذات الصلة، والتي تحكم دور وزارة الدفاع في تسليح وتدريب مجموعات مختارة من المعارضة السورية وتقديم العتاد لهم؟ هل من الممكن ألا يكون لدى الإدارة الأميركية رؤية محددة تجاه هذا الأمر – خصوصا في هذا الوقت المتأخر – فيما يتعلق بما إذا كان مثل هذا الدور بمثابة إضافة قوة حقيقية إلى جهود المساعدات الأميركية.
في المقابلة التي أجراها الرئيس أوباما مع محطة الإذاعة العامة الوطنية بعد خطابه في الأكاديمية العسكرية، سعى الرئيس الأميركي إلى توضيح الأمور بعض الشيء، حيث قال: «إن الأمر في سوريا هو دائما كيف نبذل أقصى ما في وسعنا من أجل دعم المعارضة المعتدلة ومساندتها، آخذين في الاعتبار أنه سوف تكون هناك قيود على مدى سرعة قيامنا بدعم قدرات المعارضة، وأن ما لا نريده هو عدم وضع هؤلاء في مسار فاشل. نحن لا نريد أن نقطع وعودا على أنفسنا ولا نستطيع الوفاء بها».
إلا أنه بالنظر إلى الأمر الذي طرحه أوباما، كيف يكون رئيس الولايات المتحدة ليس لديه بعد – في شهر مايو (أيار) من عام 2014 – رؤية متماسكة يمكن طرحها بلغة واضحة فيما يتعلق بالأزمة السورية؟ لماذا يبدو – بعد أكثر من ثلاث سنوات منذ اندلاع الصراع السوري – أن الدور المحتمل لوزارة الدفاع في دعم المعارضة السورية وكأنه سؤال ألقاه أحد الأشخاص في صندوق البريد الخاص بالرئيس مؤخرا؟
هناك افتراض يسود الآن في واشنطن حول أن الرئيس كان حقا جاهزا من أجل أن يقول – بصورة صريحة جدا – إنه سوف يطلب من الكونغرس إعطاءه السلطات من أجل توظيف وزارة الدفاع في برنامج تسليح وتدريب المعارضة السورية وتزويدها بالمعدات، إلا أن التسريبات التي قامت بها وسائل الإعلام قبيل إلقائه خطابه في الأكاديمية العسكرية أغضبت الرئيس ومساعديه، الأمر الذي دعاهم إلى تغيير نص الخطاب، ونأمل ألا يكون الأمر كذلك، فالحكم بصورة فعالة لا يتضمن محاولة إجادة الرسالة والحفاظ على انضباطها الداخلي، ولكنه هو أمر أكثر من ذلك، فهذا الأمر يبدأ من أن يعرف الشخص ماذا يريد، ثم يبدأ في بناء الدعم المطلوب من أجل تحقيق خطة محكمة وعميقة، فهذا يرتكز على عمل الأشياء على أرض الواقع وليس مجرد الحديث بكلمات.
إن هناك الكثير من الحجج التي يمكن أن تساق في إطار تفضيل أو رفض الأمر المتعلق بها إن تسلم القوميون السوريون دعما حقيقيا يمكن أن يحسن من مستوى المساعدات الأميركية، وما الجهة التي يمكن أن تقوم بهذا الأمر على أكمل وجه؟ إن الشيء غير المقبول هنا – في سياق الوضع المريع في سوريا – هو أن تقوم السلطة التنفيذية في الحكومة الأميركية بالاقتراب من هذا الأمر الآن في وقت الصيف، الذي يعتبر وقتا للاستمتاع والترفيه. وفي إشارته إلى «المعارضة المعتدلة» قال الرئيس أوباما لراديو «إن بي آر» NPR إن خلق قدرة المعارضة على الثبات على الأرض من أجل أن تكون قادرة على رد الهجمات بصورة فعالة، وأيضا القدرة على التعرف على بعضهم بعضا من أجل تحقيق قدر من التماسك، هذه الأمور – لسوء الحظ – سوف تأخذ وقتا أكثر مما يعتقد كثير من الناس أو يحبون.
وإذا تركنا على الهامش حقيقة أنه قد تمت إضاعة وقت كبير بصورة غير معقولة في مناقشة أسئلة مرتبطة بمصالح الولايات المتحدة وأهدافها وخياراتها الاستراتيجية، والتي لم تتم الإجابة عنها بعد، ويجب أن نضع في الحسبان الاختلاف بين التفكير في مساعدة شخص ما من أجل الثبات على الأرض، في الوقت الذي يهدف فيه الخصوم إلى التحرك من أجل مساعدة نظام متوحش وإجرامي من أجل تحقيق نصر عسكري، تجاهل المحاولات المتكررة من أجل بناء رجال من القش: «أنا لم أفكر آنذاك وما زلت لا أعتقد أن التحركات العسكرية الأميركية يمكن أن تحل الحرب الأهلية الطائفية التي تزيد وتيرتها بسرعة شديدة»، وإذا وضعنا كل هذه الأمور على جانب فيمكن أن نتساءل هل يعتبر من الكثير جدا مطالبة الإدارة الأميركية أن تضع أمام الشعب الأميركي والكونغرس خطة عمل محددة ومصوغة بصورة جيدة ويمكن تنفيذها على الأرض – بالتعاون مع الحلفاء والأصدقاء – من أجل بناء قوة عسكرية قادرة على الدفاع عن السوريين وتكون قادرة على الانتشار في نهاية الأمر؟ إذا كان هذا فعلا ما يريده الرئيس أوباما من أجل سوريا، فإن طرح هذا السؤال ليس كثيرا الآن حتى في هذا التاريخ المتأخر.
*سفير سابق وباحث مقيم في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي في واشنطن
السابق
السيسي بعد رئيسين
التالي
أوباما وخيار الاستنزاف