في معاني ’الحشد’ السوري

لامست القراءات المغلوطة للمشهد الانتخابي السوري في الضواحي الشرقية لبيروت حدود الخطر الشديد، وأوحت بان “الاعراس” الديموقراطية المقبلة، السورية، وربما اللبنانية ايضا، ربما لن تمر بسلام.

هذه المرة وقع معارضو النظام السوري وخصومه في الفخ. تشبهوا به، وتمثلوا فرعه الاسلامي، داعش، وسقطوا في امتحان حرج، كان ولا يزال يستحق الثناء لانه انتهى من دون قطرة دم واحدة.. لكنه ألحق ضررا فادحا بطرفي الازمة السورية وملحقاتهما اللبنانية: من جهة كان عدد “الناخبين” المتوجهين الى السفارة السورية في اليرزة، ضئيلا جدا جدا، بالمقارنة مع عدد النازحين السوريين الذي شارف المليون والمئتي ألف انسان، قاوموا التهديدات والشائعات التي سبق فتح صندوق الاقتراع. ومن جهة أخرى، لبى هؤلاء المصوتون نداء الواجب بطريقة سلمية هادئة الى حد بعيد، بما يتنافى مع هويتهم السياسية وربما تكلفيهم الامني..
مع ذلك، فوجىء المعارضون والخصوم او معظمهم على الاقل ب”الحشد” الذي لا يحتمل هذا الوصف الا وفق المعايير والحسابات اللبنانية البسيطة. وتجاهلوا حقيقة انه كان بمقدور النظام، الذي لا يزال يتمتع بغالبية لبنانية تفوق غالبيته السورية، ان يفتح مراكز اقتراع على امتداد الجمهورية اللبنانية، وان يلجأ حتى الى حلفائه لكي يفتحوا منازلهم لناخبيه، بدلا من ان يكتفي بمركز اقتراع واحد كان هدفه الاول والاهم ضبط أرقام وأوراق مريديه..وإستخدامهم في وجه حملة المقاطعة التي شنت في مختلف بلدان العالم، ونجحت من دون عناء شديد.
ولعل تلك المفاجأة ناجمة عن انكار مسبق لوجود شريحة سورية كانت وستظل مؤيدة للنظام السوري حتى الرمق الاخير. وهو ما ينم عن جهل فاضح، بقدر ما ينبىء بان منطق الالغاء والتصفية للاخر المعتمد من قبل النظام وبعض معارضيه الاسلاميين على حد سواء، يتجدد مرة أخرى في الوجدان اللبناني، ويؤسس لاستدراج اسوأ واخطر مظاهر الحرب السورية: التسبب باشتباك سوري سوري اولا على الارض اللبنانية، يليه بالطبع اشتباك لبناني لبناني يوسع دائرة الدم بشكل مرعب لن ينجو منه احد.
شعر المعارضون والخصوم امام هذا “الحشد” الهزيل، أنهم امام ميليشيا سورية جديدة منتشرة على الارض اللبنانية. وهو اكتشاف متأخر جدا، ومتعارض ايضا مع الواقع المثبت الذي يفيد انه ليس هناك على الارض اللبنانية اليوم من ميليشيات مسلحة سوى تلك التي انتجها النظام السوري. لم يقدم هؤلاء “الناخبون” دليلا اضافيا على هذه النظرية، فهم على سبيل المثال لم يحملوا السلاح، ولم يطلقوا النار في الهواء.. ولم يرفعوا صور البراميل المتفجرة بصفتها ورقة اقتراعهم الاثيرة.
ليس مدعاة للضجر النداء المتكرر الذي يوجه منذ اليوم الاول للثورة الى هؤلاء المعارضين بان يقدموا نموذجا واحدا فقط، على المستوى السياسي او الامني او الاجتماعي، يمكن ان يفرغ النظام، الفارغ اصلا، من محتواه، ويوفر وعدا مختلفا لسوريا المستقبل، يتناسب مع حجم التضحيات الشعبية، العفوية في غالبها، التي قدمت حتى الان من اجل التخلص من هذا الكابوس. لا شيء يمنع المعارضين على اختلاف توجهاتهم من فتح مراكز اقتراع مقابلة، لاختيار بديل ما، ولا شيء يحول دون التأسيس لعمليات انتخابية تجريبية، في سوريا وخارجها، غير تلك التي تخوضها قيادات المعارضة بين الحين والاخر وتنتهي في الغالب الى انشقاقات اضافية في صفوفهم.
الانتخابات الرئاسية السورية اهانة للفكرة واساءة للممارسة. لكنها لم تكن عبثا. كانت بمثابة تحدٍ، ابسط ما فيه هو ذلك “الحشد” الذي غطى شوارع الضواحي الشرقية لبيروت، واسوأ ما فيه هو انه إستفز لبنانيين كثيرين، الى حد المطالبة بترحيل النازحين السوريين مع ان غالبيتهم الساحقة التزمت اماكن نزوحها ساخرة بأولئك “الناخبين”، ولم تذعن للترهيب.. ولن تتحول الى جالية فلسطينية لاجئة، مهما طال الزمن، وهو لن يطول.
السابق
8 و14 تفيضان عنصرية ضدّ السوريين: إنتخبوا.. وارحلوا
التالي
جنبلاط استقبل آبادي مودعا