وهل من رئيس بلا معجزة!

الفراغ الرئاسي

كشف مصدر مقرّب من البطريرك الماروني بشارة الراعي لـ «النهار» أن البطريرك يعيش حالة تأهّب تصل الليل بالنهار، في محاولات للضغط على النواب المسيحيين على الأقل لعدم تعطيل نصاب الجلسة الخامسة، إذا كان التوافق على الرئيس العتيد غير واضحة معالمه وتباشيره بعد!

 واكد المصدر نفسه أن «الراعي ينفّذ أوامر الفاتيكان، التي تدخل على خط الاستحقاق الرئاسي للمرة الأولى بهذا الزخم، إنطلاقاً من أهمية الرئاسة اللبنانية بالنسبة لمسيحيي الشرق»، لافتاً إلى ان الفاتيكان ومعها بكركي تعتبران أن الشغور في سدّة الرئاسة اللبنانية في هذه المرحلة بالذات، لا يعني ضعف المسيحيين في لبنان فحسب، بل في الشرق الأوسط عموماً، وسط التجاذبات المهددة لكيانهم في اكثر من دولة صديقة وجارة»!

وغير بعيدٍ عن الإستحقاق الرئاسي، ما زال مهرجان وداع الرئيس ميشال سليمان بضيافة رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط في الشوف، يخيّم بـ «وفاقه» على أجواء بكركي بعبدا المختارة، وسط ارتياح عام أصابت مفاعيله الحلفاء والخصوم، على الطريقة الجنبلاطية!

وفي هذا السياق، أتت دردشة قيادي بارز في الحزب التقدمي الإشتراكي، وأحد اصدقاء جنبلاط المقرّبين مع «النهار»، وهو لفت إلى أن الاجواء التي سادت لقاء المصالحة المسيحية الدرزية في بلدة بريح الشوفية، بالإضافة إلى الرسائل التي أطلقها كل من سليمان والراعي وجنبلاط، أرست نوعاً من الإطمئنان والتفاؤل على أكثر من صعيد»، واضاف القيادي نفسه ان «مغازلة رئيس الجمهورية للنائب جنبلاط بتكريسه «بيضة القبّان» في المعادلة السياسية اللبنانية ترك آثراً إيجابياً على مستوى الشارع الدرزي، الذي ما عادت تقلقه نفحة المسيحيين «الإنعزالية» واستكثارهم حقّ جنبلاط الدرزي بتسمية مرشّح للرئاسة المارونية مثلاً»، وتابع انه «بالمقابل، أتى استدراك رئيس الجمهورية وتأكيده ان لبنان لا يحكم إلا بـ «بيضتيْن» عنى بهما قصريْ المختارة (الدرزي) وبيت الدين (المسيحي) ليثلج بدوره صدور المسيحيين المتخوّفين من تنامي الدور الجنبلاطي!

وبأسلوب لا يخلو من المزاح، علّق القيادي على «زلّة اللسان» الجنبلاطية ضاحكاً، قال: أروع ما في الأمر أن «زلة لسان» وليد بِك أراحت مؤيدي عون وخصومه على حد سواء.

 ففي حين اعتبرها داعموه في 8 آذار إشارةً إلى تفكير جنبلاط الجدي بدعم وصوله إلى سدّة الرئاسة، رأى فريق 14 آذار أن تبريره (أي قوله «على قدر ما نحلم به … لكن ليس كي يأتي رئيساً») أتى ليقطع دابر الشك بإمكانية حصول عون على دعم «البيك».

وبالعودة إلى استحقاق الرئاسة، الواضح أن «الهمّة» الدولية نشطت قبل أيام على انتهاء المهلة الدستورية. وبين باريس والرياض، تتّضح معالم الدور الذي تلعبه العلاقات اللبنانية الفرنسية، واللبنانية السعودية، في رسم صورة الإستحقاق. غير أن إغفال الدور الإيراني والعلاقات الإيرانية – السعودية ليس ممكناً بالطبع.

وترى مصادر أن وجود الامير سعود الفيصل في فرنسا ولقائه السنيورة وجنبلاط، و»مغازلته» لإيران من هناك، تبشير واضح بفتح قنوات الحوار «الإيراني السعودي»، الذي تعلّق عليه الآمال أكثر من سواه لدعم إنجاز الاستحقاق الرئاسي، غير أن ما يدور في الفلك المحلّي ينفي نضوج أي تسوية حتى الآن.

 وإن كان الواضح شبه الاكيد هو حضور نواب تكتل التغيير والإصلاح جلسة الإنتخاب الخامسة، «تنصّلاً» من تهمة تعطيل النصاب وارتداداتها السلبية عليه في الداخل المسيحي، ناهيك عن «لعنة بكركي» شبه المحتّمة في حال عدم حضور النواب، فإن غير الواضح حتّى الآن هو حتمية اكتمال النّصاب، في ظل الحديث عن استكمال المباحثات في العاصمة الفرنسية، ما يعني ترجيح تغيّب عدد إضافي من نواب 14 آذار.

وعليه، فإن فرضية انتخاب رئيس في الجلسة الخامسة، تبقى رهن «معجزة» قد تحصل في ربع الساعة الأخير، في بلد اعتاد ألا يحكَم إلا بالمعجزات!

وعلى هامش الإستحقاق الرئاسي، تطلّ أزمة ذي صلة تتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية والحكومة في حال شغور سدّة الرئاسة، وسط تأكيد بطريركي على عدم القبول بالفراغ، واجتهادات دستورية تؤكّد صلاحية الحكومة في ممارسة الحكم بغياب رئيس البلاد، ما يعني ضمناً تخلّي المسيحيين عن سلطتهم الاكبر لصالح رئيس الحكومة السنّي وما يمثّله من حضور «سعودي»!

ويبقى في الكواليس السياسية أحاديث وتسريبات أخطر من أي كلام، محوره صفقة اقليمية ودولية تقضي بـ «بيع» لبنان لـ «تجّار النفط والغاز» الدوليين، مقابل «وصول الجنرال عون إلى سدّة الرئاسة مدعوماً بخبرة صهره «الباسيل» في قضيّة النفط من جهة، ودعم الرئيس سعد الحريري، رئيس الحكومة في عهده الموعود إن حصل»، معلومات سرّبتها جهات مطّلعة لـ «النهار»، معلنةً أن «التنصّل الدولي من إعلان دعم أي من المرشّحين سببه ترقّب الدول للمرشّح الأكثر «شطارة» في إدارة ملف النفط بما يتوافق ومصالح كلّ منها»، ما يعني فعلياً أن «الطبخة» الرئاسية أكبر من أن يتم إنضاجها في لبنان، وأكبر من مجرّد تحليلات سياسية من هنا وهناك!

فهل يدخل ملف النفط على خطّ العرقلة ام الحلحلة؟

سؤال وجّهناه لمصادر مقرّبة من الرئيس نبيه بري، تحدّثت لـ «النهار» عن «وجود صفقة حقيقية شملت أطرافاً مختلفة هدفها تمرير فترة طويلة من الإستقرار المحلي، تبدأ بإنتخاب الرئيس قبل 25 ايار (مايو) بعدما كان هناك إجماع بين معظم الأطراف على ضرورة تجنب الفراغ، على ان تستكمل هذه الصفقة بتشكيل حكومة وحدة وطنية تشمل معظم القوى، والأرجحية ستكون للرئيس سعد الحريري، وستكون المهمة الرئيسية لهذه الحكومة التحضير لإجراء انتخابات نيابية بقانون جديد، او بعملية تجميلية لقانون «الستين».

 وأكدت المصادر عينها وجود «غطاء اقليمي لهذه الصفقة من معظم الأطراف الفاعلة في المنطقة، خصوصا أن ثمة إجماعاً على ضرورة إبعاد لبنان عن الخطر السوري المتدحرج، وعن العواصف المقبلة في محيطه، من خلال صياغة توافق جديد يكون كافيا لتمرير المرحلة بـ «التي هي أحسن»، إضافة الى العمل على تفعيل الملفات الخلافية وتشجيع الحوار الجاد بين مختلف الأطراف حولها.

 ورفضت المصادر ربط الصفقة الدولية بملف النفط، كما أبت تشبيهها بالإتفاق الرباعي عام 2005، لأن «الظروف المحلية والإقليمية مختلفة. ففي العام 2005 كان المزاج المسيحي بأكثريته الساحقة يصب في اتجاه معاكس للحلف الرباعي، اما اليوم فهناك شبه توازن عند المسيحيين، إضافة الى وجود آراء مختلفة اصلاً بين مسيحيي 14 اذار بالنسبة للإستحقاق الرئاسي وملفات اخرى»، على حد قولها. ولكي يخرج الإستحقاق الرئاسي من عنق الزجاجة، ويخرج معه لبنان من «شرنقة» التحليلات والسيناريوهات والفرضيات، ومعها من أحلام النوم واليقظة و»زلّات اللسان» على حد سواء … تبقى الآمال معلّقة على جلسة 22 مايو المقبلة والجديد غير المتوقّع أن تحمله.. فإما أن يكتمل النصاب أو لا، وإما أن يتم التوافق على رئيس أو لا.. إما أن يبقي رئيس المجلس نبيه بري الجلسات مفتوحة للضغط على النواب من اجل انتخاب الرئيس المنتظر، او ان تقفل محضر الجلسة بعد دقائق فتكون كسابقاتها..

وفي النهاية، إما أن تتّضح معالم المشهد الرئاسي اللبناني شيئاً فشيئاً في الساعات والأيام القليلة المقبلة، إما ان يدخل البلد في شغور رئاسي وبعده فراغ لا ينفك الجميع يحذّرون منه، او أن تقلب كل الموازين في ربع الساعة الأخيرة .. فيثبت باليقين ان لا رئيس لبلاد الأرز … إلا بمعجزة!

السابق
هذا هو جدول المباريات بتوقيت بيروت
التالي
مداولات باريس بين شروط جعجع للتنحي وسبل إبلاغ عون موقف ’المستقبل’