علي الامين

حازم وعلي الامين

السلطة عمياء ومطلقة يا علي، وهي نفسها منذ وُلدنا. السلطة بلا ماضٍ ولا مستقبل. إنها الحاضر. الحاضر المبتذل، والحاضر عديم الرحمة وعديم الخيال. ورجالها الذين دخلوا بالأمس الى منزلك يثيرون الشفقة لسهولة فعلتهم. لقد انتظروا سنوات يا علي قبل أن يدخلوا المنزل. وقبل أيام من دخولهم أقدم رجال منها على ضرب استاذ الجامعة في البلدة نفسها. كانوا من رجال السلطة أيضاً.

 

السلطة القادرة على القول إن من ضربته ليس استاذاً جامعياً، وإن منزلك انتهكه مجرد عابري سبيل، وليسوا رجالاً نعرفهم وتُشبه أعناقهم الغضة أعناق آبائهم. البيت ليس بيتك في عرفها، فهي شرعت بإعادة تطويب كل شيء باسمها. أليس هذا ما دفع رجالها إلى ضرب رئيس البلدية؟ ثم إنها يا علي صاحبة ذاكرة سمكية.

 

هذه أصلاً وظيفتها. التاريخ بدأ مع تشكلها فقط، وأي خطأ خارج هذه الحقيقة يجب تصويبه. ومنزلك يا علي هو أحد هذه الأخطاء.

 

هل تذكر يا علي يوماً كنا فيه في صيدا وكان بالقرب من منزلكم موقع لجماعة لحد، في مقابل مدرسة الراهبات؟ أنا أذكر تماماً ذلك الفتى مرتدياً الزي العسكري الأخضر فاتح اللون وقبعة خضراء أيضاً. كان في حينها واحداً منهم، من رجال السلطة. كان عنقه غضاً، وحين هوى من على برج المراقبة ذوى عنقه وتلاشت السلطة على نحو ما يتلاشى الجليد، ولا أدري لماذا يلوح لي عنقه كلما استعدت أيامنا في صيدا.

 

وهو عاد واستيقظ عندما قرأت خبر دخولهم الى منزلك ورحت أتخيل أعناق الفتية الذين دخلوا الى المنزل وأشفق عليهم. ذاك أن السلطة يا ابن عمتي نفخت وجوههم فتورمت ملامح آبائهم. الملامح التي نعرفها ونحبها، ها هي اليوم تلوح في أعناق فتية مبذولين للانتهاك. فكيف لنا يا علي أن نطلق الرصاص، والى أين نسدد بنادقنا العتيقة؟

 

لا ليسوا هم أنفسهم من أقدم على ضرب الاستاذ الجامعي. وآخرون غيرهم هم من “أدّب” رئيس البلدية. فأنا أيضاً رحت أستعيد مشهدهم وقد انهالوا على الدكتور محسن ضرباً. لم تعزني التفاصيل في تخيلي. فهم يعيدون رسم الخرائط وتحديد الملكيات وتوزيع الأرض والشجر والمياه. أليست هذه وظيفة السلطة التي انتخبها الناس؟ وهي في سياق وظيفتها هذه جعلت تزحف على الماضي! فالأرض، أرضنا، موروثة في النهاية، والإرث هو شيء من الماضي، الماضي الذي يجب أن يتغير الآن. الماضي الضعيف، والذي لا يعدو كونه ذكريات قد لا تكون حقيقية. ومَنْ هذه حاله لا يصلح لمهمة تثبيت ملكية الأرض. لهذه الأسباب تماماً انهالوا على الدكتور محسن بالضرب، وحين اعترض رئيس البلدية الذي انتخبوه انهالوا عليه بالضرب أيضاً.

 

نحن الآن يا علي كائنات غير حقيقية. هم الحقيقيون. هم من بحوزته سندات الملكية، السندات الخضراء الطازجة وغير المُلتبسة وقد سطرها لهم كتاب عدل طازجون. في مقابل وثائقنا العثمانية المتآكلة والمتهالكة.

 

السلطة يا علي أكلت وجوه آبائهم التي نحبها، وأقامت اليوم في أعناقهم الغضة والمتورمة. ها هم أمامي الآن يعبرون الحقل ويدخلون الى منزلك. لا قوة لي على معرفتهم. كل ما أستطيع الإتيان به هو استعادة مشهد عنق ذلك الفتى على مثلث الراهبات في صيدا.

السابق
معلولي: قضية النازحين تهديد مباشر لكيان لبنان
التالي
لا جديد عملي على العلاقة بين «حزب الله» و«تيار المستقبل»