الفلسطينيون والتفاوض من أجل التفاوض

لا أمل في تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين في المدى المنظور. هناك مفاوضات تليها مفاوضات وصولا إلى جولة جديدة من المفاوضات. هذا كلّ ما في الأمر. هذا ما تريده الحكومة الإسرائيلية التي تعتقد أن الوقت مناسب من أجل تغيير مرجعية عملية السلام. الهدف الإسرائيلي واضح كلّ الوضوح. هناك خلل إقليمي وإدارة أميركية ضعيفة. لماذا عدم استغلال ذلك من أجل فرض أمر واقع جديد على الأرض؟

هل المفاوضات هدف بحدّ ذاته؟ هل يوجد شيء اسمه مفاوضات من أجل المفاوضات تجري برعاية أميركية؟

هل يكفي الموقف العربي الداعم للقضية الفلسطينية الذي يمكن إعتباره أكثر من سليم؟ المؤسف أنّ هذا الموقف لا يمكن أن يكون المقياس في مجال انجاز تقدّم ما في اتجاه حل معقول ومقبول. حسنا فعل العرب عندما أعلنوا في ختام قمة الكويت التي أنهت اعمالها في السادس والعشرين من الشهر الماضي «إنّنا نؤكّد مجددا أنّ القضية الفلسطينية تظلّ القضية المركزية لشعوب أمّتنا ونكرّس كلّ جهودنا لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية في حدود الرابع من حزيران ـ يونيو () وفقا لقرارات الشرعية الدولية». الكلام العربي جميل في هذه الظروف الصعبة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني. ولكن كيف يمكن صرف الكلام الجميل على أرض الواقع في مرحلة تمرّ فيها المنطقة كلّها في مخاض ليس معروفا إلى أين سيؤدي؟

من المهمّ أن يعي الفلسطينيون أنّ الكلام العربي عن «القضية المركزية» ليس سوى كلام يستحقّ الذين صدر عنهم كلّ الشكر عليه. لم يجد العرب في الكويت ما يتفقون في شأنه غير القضية الفلسطينية. ربّما كان ذلك عائدا إلى أنّه لم يعد في مقدورهم تقديم شيء الى الفلسطينيين باستثناء الكلام المنمّق بدل مصارحتهم بالواقع الأليم المتمثّل في أنّ الإيجابية الوحيدة التي تحقّقت في السنوات القليلة الماضية هي انكشاف النظام السوري، المدعوم إيرانيا، الذي تاجر بالفلسطينيين وقضيّتهم طويلا واستخدمهم في مرحلة معيّنة، بمشاركة إيران، في تدمير لبنان وضرب مؤسساته من أجل تسهيل عملية وضع اليد عليه بشكل مباشر. ما يحصل في مخيّم اليرموك المرتبط جغرافيا بدمشق خير دليل على العجز العربي عن مساعدة الفلسطينيين من جهة، كما يكشف ما يعرفه معظم اللبنانيين منذ فترة طويلة عن طبيعة النظام السوري وحقيقة كلامه عن «المقاومة» و «الممانعة» من جهة أخرى.

يفترض في الفلسطينيين عدم تصديق الكلام العربي كثيرا. عليهم وضعه في إطاره الصحيح بعيدا من المبالغات. الواقع يقول أنّ هناك قضايا أخرى مطروحة حاليا في المنطقة. يأتي على رأس هذه القضايا انفلات الغرائز المذهبية في الشرق الأوسط بتشجيع إيراني، انطلاقا من العراق، وصولا الى لبنان مرورا بسوريا. باتت المخاوف التي يثيرها إنفلات الغرائز المذهبية جزءا لا يتجزّ من الهموم اليومية للمواطن العربي أكان ذلك في اليمن أو البحرين أو في هذه الدولة الخليجية أو تلك.

هناك قضايا أخرى يمكن الإتيان على ذكرها في سياق إظهار مدى تراجع القضية الفلسطينية. على سبيل المثال وليس الحصر، هناك دول عربية تحتضر. ليبيا ليست سوى نموذج للدولة الفاشلة التي دمّر نظام معمّر القذافي النسيج الإجتماعي فيها. أمّا سوريا، فليس مستبعدا أن تكون سائرة علر النهج الليبي في ضوء الإصرار الإيراني والروسي على متابعة دعم المجهود الحربي لنظام مصرّ على ذبح شعبه وتهجير أكبر قسم منه… وإلحاق أكبر مقدار من الأذى بكل دول المنطقة، على رأسها لبنان.

بين السقف الأميركي الجديد للتسوية الذي وضعه وزير الخارجية جون كيري، وهو دون سقف الإطار الذي خرج به الرئيس بيل كلينتون في الأيام الأخيرة من ولايته الثانية، أواخر السنة … وبين الموقف المتشدّد لحكومة بنيامين نتانياهو التي تؤمن بأنّ الوقت سيسمح لها بتكريس الإحتلال لجزء من الضفّة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، لم يعد أمام الجانب الفلسطيني من خيارات كثيرة، اللهمّ الّا اذا كان بين الفلسطينيين من يعتقد أن العرب جدّيون في اعتبار فلسطين قضيّتهم «المركزيّة».

سيجد الفلسطينيون أن ليس أمامهم سوى العودة إلى طاولة المفاوضات حرصا على العلاقة مع الولايات المتحدة، وهي علاقة تعمل اسرائيل دائما علي قطعها. من يتذكّر كم كان فرح أرييل شارون كبيرا عندما سُدّت أبواب البيت الأبيض في وجه ياسر عرفات الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني نتيجة رفضه الإطار الذي إقترحه بيل كلينتون؟

يستطيع العرب دعم الجانب الفلسطيني معنويا. هذا أمر أكيد. يمكن لهذا الدعم أن يساعد في الصمود في وجه الإحتلال. لكنّ الحاجة إلى أكثر من ذلك. ثمّة حاجة الى كثير من الروية بعيدا عن كل نوع من الأوهام. وهذا يتطلّب أوّلا ترتيب البيت الفلسطيني من داخل بعيدا عن تصفية الحسابات مع هذا الطرف أو ذاك. ترتيب البيت الداخلي أولويّة فلسطينية. لماذا لا توجد حكومة فلسطينية يمكن الإعتماد عليها لتمرير الفترة الحرجة؟ هل الفلسطينيون، بما يمتلكون من شخصيات في مستوى الدكتور سلام فيّاض، عاجزون حتى عن تشكيل حكومة جدّية ومواجهة إحتمال توقّف المفاوضات مع إسرائيل، وهي مفاوضات تسعى اسرائيل أصلا إلى وقفها؟ من حسن الحظّ أن ليس ما يشير إلى انسحاب فلسطيني من المفاوضات على الرغم من أنّها صارت عبثية. لكنّ الواقع هو الواقع. لا بدّ من المفاوضات من أجل الحدّ من الأضرار. ففي النهاية، لا مفرّ من التعاون مع الواقع مهما كان ظالما!

الثابت أنّ الفلسطينيين في وضع لا يحسدون عليه. إضافة إلي أن عليهم التفاوض من أجل التفاوض تفاديا لإغضاب الإدارة الأميركية، لا وجود لأمل في مصالحة وطنية ما دامت «حماس» التي تمثّل الإخوان المسلمين وفكرهم المتخلّف، مصرّة على تكريس الإنقسام وتعميقه إلي أبعد حدود خدمة للمشروع الإسرائيلي.

يحصل ذلك كلّه في وقت تعتقد السلطة الوطنية أنّ بيانات القمم العربيّة يمكن أن تقدّم أو تؤخر بوجود عالم عربي صار عوالم…ودول مهدّدة بالزوال.

 

السابق
فرع المعلومات اوقف الفلسطيني خ.د. لإقدامه على التهجم على رجال الأمن
التالي
الاحتلال يعتقل الباحث مجد كيّال