لماذا يريد الشيعة سمير جعجع رئيساً للجمهورية؟

سمير جعجع

القرى والبلدات المختلطة في لبنان، في الغالب، هي إما مسيحية- سنية، أو مسيحية- درزية، أو مسيحية- شيعية. هذا يعني أن احتمال “العيش المشترك”، بقيٓ مُمكناً، ولو بعد تهجير المسيحي أو مقتله. حتى لو عانى المسلم اللبناني القتل والتهجير من مسيحي، تبقى الشراكة ممكنة، ولا يموت الأمل. الوجدان المسيحي قارئ جيد للتاريخ وتجاربه، ولأنه يقرأ جيدًا في صفحات التاريخ، يمكنه أن يطوي بعض الصفحات. النزاع السني – الشيعي، صفحة مفتوحة منذ بدأ النزاع. وجرح مفتوح وإن توقف النزف لسنة أو لقرن. لذلك قليلة القرى السنية – الشيعية في لبنان. حتى سنوات أو عقود الهدوء السني – الشيعي في العالم، سببها إحكام طائفة سيطرتها على الطائفة الثانية. وهذا ليس “عيشاً مشتركاً”. الشيعة، كالمسيحيين، عانوا الظلم الطائفي، أكثر مما اقترفوا من المظالم الطائفية. عادة، الأقليات قليلة المظالم. وكما لا تُعبِّرُ “العونية” عن الوجدان المسيحي، بما له، بل بما عليه. كذلك لا يُعبِّرُ ”حزب الله”، عن الوجدان الشيعي، بما له، بل بما عليه.
ولهذا السبب ربما، السلبية السياسية، المطبوعة “بالعونية” و”بحزب الله”، ساعدت في تحالفهما. وكما أن “Deux négations ne font pas une nation”، كذلك يبدو أن سلبيتين سياسيتين لا تصنعان لا “عيشاً مشتركاً” و لا “أمة” ولا “دولة”! وهذا يعني أن الشيعية اللبنانية لا يمكن اختصارها “بحزب الله”. هي أوسع. وأهم. وأقدم. وأصدق من “حزب الله” في التعبير عن “الشيعية” وعن “اللبنانية”!
و”لبنانية” هذه الأرض، تنمو وتزدهر إذا كانت هي المُصٓدِّرٓة للأفكار والتيارات والعقائد، وتذبل وتتدهور إذا استوردت من خارجها العقائد والمصالح والمٓحاور. وما يزيد في الفرادة غرابةً أن هذه البيئة اللبنانية أحيانا تُصٓدِّرُ ما ينفع غيرها ولا ينفعها. القومية العربية، والقومية السورية. الفكر الشيوعي والاشتراكية. العلمانية، والشريعة الإسلامية. كلها مفاهيم وعقائد بلورها أو اخترعها أو طوّرها لبنانيون. ولكن من قال إن الطبيب الذي يخترع الدواء ملزم بأخذه؟ وقديما قيل “صانع الأصنام لا يعبدها”!
وعملاً بهذا المبدأ، من قال إن الاستتباع الشيعي اللبناني لإيران، يفيد شيعة لبنان، على رغم أن الفضل يعود للعديد من علماء جبل عامل في نشر مذهب التشيّع في إيران! حتى “ولاية الفقيه”، استقاها الخميني من مراجع شيعية عاشت في الجنوب. بطريقة من الطرق، إيران شيعية بإسهام من بيئة شيعية في أرض وإن لم يكن اسمها لبنان، إلا أنها كانت “لبنانية”، بمفهوم التجاور الطائفي وتعدّده، ومفهوم “الجبل الملجأ”، لطلاب الحرية والكرامة. أكثر من علاّمة ماروني أسهم في البناء التاريخي والروحي للفاتيكان، وعلى رغم ذلك، حتى اليوم، علاقة بكركي بروما علاقة فيها شيء من “ما لروما لروما وما للبطريرك للبطريرك”!
في ضوء ذلك، من هو سمير جعجع، للمواطن الشيعي اللبناني؟ سمير جعجع هو ابن ريف وجبل. الشيعي أيضا، هو ابن ريف وجبل. هذا المسيحي الذي اسمه سمير جعجع، ثائر بطبعه على الإقطاع السياسي، كذاك الشيعي الثائر. سمير جعجع أرادها وأدارها معركة على جبهتين. جبهة الإقطاع المسيحي وجبهة “العيش الكاذب بين الطوائف”. وذاك الشيعي، الذي كان يسكن على بعد أمتار من بيت سمير في عين الرمانة، ثائر بطبعه على كل الإقطاعيات العائلية والمذهبية. نحن اليوم في زمن التجرد للبنان. وإذا كان الشعار السُني الجديد هو “لبنان أولاً”، فما بالك بالشيعي الذي ليس له إلا لبنان أولاُ وأخيرًا. ليس له إلا لبنان، خصوصا بعدما ابتعد عنه العرب أكثر فأكثر بسبب إيرانية “حزب الله”. لقد حاول شيعة كثر، ركوب مركب “العروبة”، ليكسروا قيد التهميش التاريخي، فعلى ماذا وقعوا؟ لقد وقعوا بين فكّٓين: إسلامية سُنية متطرفة لا تعترف بالعروبة حتى في الحجاز، وشيعية إيرانية لا تعترف بالعرب إلا كقوم من درجة ثانية! إنه زمن التجرّد للبنان، وسمير جعجع هو ابن هذه اللحظة التاريخية. هو نقطة اللقاء السياسي بين “السُنية اللبنانية” و”الشيعية اللبنانية” و”الدرزية اللبنانية”. هو ذاك المسيحي في تلك القرية المختلطة. هو مرشح رئاسي للبنان معيّن ومحدّد. لبنان بقُرىً وبلداتٍ كثيرة… ومختلطة تريد “العيش المشترك”!

السابق
إيران والدول الست تُقرّ «إطار اتفاق» لنشاطها النووي
التالي
‘الجمهورية’: حركة نواب المستقبل في معراب رسالة تأييد لجعجع