إبني… لكنني لا أحبه!

قد يبدو غريباً جداً أن نسمع من فترة الى أخرى عن أب يقتل أولاده، أو أمّ تتخلى عن أولادها أو ترميهم في مستوعبات القمامة أو تتركهم على قارعة الطريق. لكن هذا يحصل للأسف، وإن لم تكن كل الحوادث تلك ناجمة عن كراهية، لكن نعم… في الواقع ثمة أهل يكرهون أولادهم وثمة آباء وأمهات يتمنّون الموت لأبنائهم! فما هي الأسباب وراء ذلك؟

قد تقولون في قرارة أنفسكم إن ذلك غير ممكن ومستحيل، لأن طبيعة الأمومة والأبوة ليست كذلك، فالأهل قد يضحّون بأنفسهم من أجل أولادهم ويفعلون دائماً ما بوسعهم ليروا السعادة في عيون صغارهم. لكن، لكل قاعدة استثناء وشواذ.
والدة أماند هي واحدة من تلك الاستثناءات، فهي لا تنفكّ عن ضربها وشتمها وتعنيفها منذ صغرها، وحتى اليوم ومع بلوغها الحادي والعشرين من عمرها، لا تزال تخضع للأذى الجسدي والمعنوي على يد والدتها، والسبب بحسب قولها كره والدتها لها. “مذ كنت طفلة كنت أتعرّض للضرب على يد والدتي دون أشقائي الآخرين، ولم يكن والدي يتدخل البتة للدفاع عني. وكان والدتي لا تفوّت فرصة أو مناسبة كي تهينني وتصفعني وتضربني بالخيزرانة حتى. وطالما أمضيت الليالي في صغري نائمة على سطح المنزل هرباً من ضرب أمي وسماع كلمات جارحة، فهي كانت دائماً تعترف أمامي أنها لا تحبني وتتمنى موتي ولا تريد أن تراني في المنزل، لذا كنت أخرج الى المدرسة صباحاً مع عدد من الضربات، وفور عودتي أدخل الى غرفتي المشتركة مع أختي لأتابع دروسي، وطبعاً لم أكن أنجو من الضرب والتعنيف. وعندما أصبحت في الجامعة، بدأت أعمل لأصرف على نفسي كونها منعت المصروف عني وكنت أصل ليلي بنهاري وأغادر باكراً المنزل ولا أعود إلاّ مع حلول الليل حتى لا أرى أمي. الى أن تخرجت من الجامعة واستقرّت أموري وحظيت بعمل جيد مكّنني من استئجار ستوديو في المدينة، فانتقلت للعيش بمفردي بتشجيع من أخي الأكبر الذي كان دائماً مناصري الوحيد في العائلة كي أتخلّص من ظلم والدتي”. وعندما سألتها عن سبب هذا الكره، نظرت إليّ نظرة ملؤها الاستغراب والحيرة والألم، “ليتني كنت أعرف، لكنت استطعت أن أغيّر شيئاً من الواقع”.
ومثل أماند سعيد، فهو يشاركها لوعة كره والده له. “مشكلتي بدأت بعد ولادتي بسنة، فقد حصل الطلاق بين أبي وأمي، ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم وأنا على مشارف الخامسة والعشرين من عمري، وقد تخرجت هذه السنة من الجامعة، وكنت أعقد على هذا التخرج آمالاً بأن يحل بعض مشكلاتي، لكنني مع الأسف كنت واهماً منذ صغري، فما زلت أعاني المشكلات عينها. لم تكن تربطني بأبي تلك العلاقة التي تفترض أن تكون بين الأب وابنه، ورغم تشجيع والدتي لي للتواصل مع أبي، ومحاولة تقريب المسافات بيني وبينه إلا أنها باءت بالفشل بسبب الجفاء الذي كنت أراه منه، علماً أنني لم أقطع صلتي به بل كنت أزوره رغم ما ألاقيه من الجفاء وعدم الاكتراث. فهو دائم التأفف والتذمر من رؤيتي ولا يكترث لما يحصل معي أو مع والدتي علماً أنه لم يتزوج ولم ينجب أولاداً وليس لديه ما يشغله عنا، لكني أشعر أنه يكرهني ولا يطيق رؤيتي، الى أن طلب مني ذات يوم بألا أعود لزيارته أبداً وإلا فإنه سيرتكب في حقي جريمة!”
لماذا يكره الأهل أولادهم؟
في حين تزوّد الطبيعة الأمهات عموماً حياة صحية مع مركبات كيميائية سليمة في الدماغ مثل أوكزيتوسين، تجعل مشاعر الحب والتواصل لديها تتحرك وتتفاعل تجاه أولادها، ثمة عدد من الأمهات في المقابل يفتقرن الى تلك المشاعر ويكرهن ذريتهنّ، وكذلك هي حال بعض الآباء. والكراهية لا تكون من خلال الغضب أو الانفعال او الاستياء، فبعض الأهل يستشيطون غضباً عندما يسيء أولادهم التصرف أو عندما يتسببون لهم بالأرق في الليل أو عندما يتصرفون بقلة تهذيب ولا يحترمونهم أم يحترمون الغير. لكن الغضب قد يتحول كراهية مع الوقت، فعندما لا يطيع الأولاد أهلهم، يخلق ذلك عند الأهل شعوراً بالعجز حيال الأبناء، وهذا الشعور يؤدي الى سخط ونقمة عليهم، وهو ما يولّد بدوره شعوراً بعدم التحكم بالتصرفات مع الأولاد يمكن أن ينتهي بالاعتداء عليهم وأذيتهم. وهنا يدخل الأهل حالة مرضيّة ينبغي معها التدخل العلاجي الفوري كي لا تتفاقم الأمور وتباعد المسافات والكره بين الأهل وأولادهم.
إحدى الأمهات قالت لابنها عندما كان صغيراً: “ليتك لم تأتِ الى هذه الدنيا ولم تبصر النور قط!”. واليوم وبعد مرور عشرين عاماً، “لا يزال صدى الجرح والأذى يتردد”، كما يقول. فيما يقول آخر إن والده وفي كل مرة كان يغضب منه كان يقلب الطاولة ويهدده ويرفع المسدس في وجهه محاولاً قتله، “لكن أمي كانت تردعه دائماً، وعندما كبرت استقليّت عنه واليوم أسكن في منزل خاص بي وتأتي أمي لتزورني ولا أريد أن أرى أبي البتّة”. عندما يكره الأهل أبناءهم، يتمنّون الإطاحة بهم وإبادتهم! لكن لماذا هذا الكره؟ وما أسبابه؟
يروي الاختصاصي في علم النفس الاجتماعي الدكتور كمال بطرس كيف أن عقدة أوديب تسيطر على الأولاد الذكور حيال أمهاتهم في صغرهم فيتعلقون بهم ويعشقونهم، “بعضهم يتخطاها والبعض الآخر يعلق بين ثناياها ما يسبب له مشكلات نفسية ومتاعب جمة. “لكن ما أريد قوله هو أن ننظر الى الجزء الآخر من القصة، فوالد أوديب الملك لايوس وبعد أن سمع عن نبوءة تقول إنه عليه أن يمتنع عن إنجاب ولد لأن الأخير إن ولد فسوف يقتل أباه ويتزوج والدته ويصبح هو الملك. فعندما ولد أوديب حاول الملك قتله مراراً كي لا تتحقق النبوءة. ويكم القول إذاً أن عقدة لايوس هي أحد الأسباب التي تجعل الأب يكره ابنه في حال شعر بتهديد ما من الإبن حياله وقد يتطور الامر الى حدّ تمنّي الوالد لو يموت ابنه! وأيضاً يمكن التحدث عن عقدة الأم التي تكره ابنتها، فتشعر أنها تشكّل خطراً من نوع معين عليها وعلى حياتها وأمورها الخاصة”.
وقد يكون كره الأهل للأولاد مرتبطاً بحادث معين حصل قد يكون الولد له علاقة به وقد لا يكون، “لكن مشاعر الغضب التي تنتاب أحد الوالدين أو كلاهما معاً خلال وقوع تلك الحادثة، قد تتحول كرهاً حيال الولد، وهذا يتطلب علاجاً فاعلاً. كما أن ضغوط الحياة والمسؤوليات المتراكمة على الأهل خارج المنزل وداخله قد يقودهما في حال لم يكونا متوازنين من الناحية النفسية، الى تحميل الزواج والأولاد مسؤولية ما يشعرون به من ضيق وانزعاج”.
وأحياناً يستمر اكتئاب ما بعد الولادة مع الأم حتى مرحلة زمنية متقدمة او قد يستمر الى الأبد، ويشرح بطرس، “ما إن تضع الأم طفلها الذي انتظرته بفارغ الصبر وابتهجت بقدومه، وأنفقت وقتاً ومالاً في شراء ملابسه الجميلة وسريره الصغير وجميع مستلزماته، حتى فوجئت بكراهيتها له وعدم تقبلها لاحتضانه. وهذا الشعور تجاه الطفل يعود إلى الهبوط السريع في مستويات هورموني البروجستيرون والإستروجين، وسرعان ما تعود مشاعرها الى طبيعتها بعد زوال التأثير، لكن بعض الأمهات يستمر معهنّ الشعور بالكراهية والنفور من فلذات أكبادهن، إما بسبب المسؤولية الملقاة على عاتقهن والالتزام والتقيد، أو بسبب تغير نمط حياتهنّ وأجسادهن وشكلهن وغير ذلك من الأسباب”.
وليس غضب الأهل هو ما يؤذي الأبناء، لكن اللامبالاة وعدم الاهتمام وبرودة المشاعر هي ما يسبب المشكلات النفسية والعصبية لدى الأولاد. “كما أن كره الاهل لأولادهم يخلق لهم انعدام الثقة بالنفس ومشكلات في مواجهة المجتمع وشعوراً بالفشل في الحياة عموماً، فيصبحون عدائيين ومتشائمين وغير راغبين في الحياة وقد يميلون الى الانتحار”.

السابق
فاجعة تصيب عائلة نجم «عرب ايدول» عبد الكريم حمدان!
التالي
هل يُفقدكِ زواجك صديقاتك؟