صوتلي لصوتلك

حسنا. انتهت الانتخابات السنية بتعيين الطائفة لتمام سلام. انتهت المشاورات المارونية لاختيار رئيس للجمهورية. ما على الشيعة الا انتظار “انتخابات” المجلس.. اطال الله عمر رئيسه المزمن! فالشيعة (فرع الصيغة اللبنانية) لم يجدوا بعد افضل منه، لرئاسة المجلس. تعين الطوائف الاساسية ممثليها في شركة لبنان المساهمة، تعيّن حرس حدودها وامتيازاتها وحصصها. وحين نقول حصصها نتحدث عن حصص زعمائها، لا المواطنين/ الجماهير الذين لا يصلهم الا فتات فساد زعمائهم بدلا من حقوقهم الكاملة كمواطنين.

يستسلم اللبنانيون للمنظومة الطائفية اكثر فأكثر. تضييع الأمن بيد ميليشيات الطوائف وزعرانها لا يفعل شيئا غير ترسيخهم في تلك “القناعة”. الوقت وقت امن ولا احد يناقش المسلمات البنيوية ل”الوطن”.
يزعم الجميع، ومنهم اللبنانيون انها الانتخابات الثانية المستقلة! يقصدون من دون راع سوري. ماذا عن الباقين؟ ماذا عن “الرعاة الدوليين”. يتحدث السفير الفرنسي باتريس باولي عن “عدم التدخل بالقرار اللبناني” بلغة عربية يحسده عليها كارلوس ادة مردفا تصريحه بجملة لا تفيد الا التدخل “ من اجل ان يستطيع اصدقاء لبنان مساعدته عبر المؤسسات” ويكاد يضيف “على الاقل”. يتحدث السفير الروسي عن ذلك ايضا. لغته ايضا تتميز بعيوب صغيرة “محببة” اين منها تخبيصات العميد “الله يحفظّو”، كما يجيد ابطال برنامج “الدمى قراطية” تقليده. العميد الذي يريد شحط عائلات بكاملها اقامت عشوائيا على قطعة ارض من ممتلكاته الكثيرة، لشدة فقره.
المسائل الحقيقية للمجتمع اللبناني تبدو نافلة في هذه الطوشة التي يتبارى على احتلال سلم اولوياتها الأمن واسماء الفائزين بمراتب الدولة. كأن تلك القضايا هي مجرد امور ثانوية اين منها القضايا الكبرى كانتخاب رئيس للجمهورية وطاولة للحوار وتشكيل حكومة.. سلسلة رتب ورواتب؟ تأجيل. العنف الاسري؟ (العنف منتشر بكل المجتمع. مش وقتو). جنسية المرأة لاولادها؟ (معقول هلق عم تحكيني بهالشي؟ فاضيين يعني)! اما المسألة الاساسية اليوم؟ فهي الامن ولا شيء غيره. الامن الذي اضاعه من عاد الى السلطة من بوابة استرداده! اشرف ريفي للعدل! عادي! فالأشراف لا يتقاعدون كما تقول اللافتات الكثيرة التي زرعت في حدود ولايته الشمالية. فقط الزعران مثل ابي وابيك يتقاعدون.
ابي الذي لا يزال يترحم على نور الدين الرفاعي رحمه الله.
لم لا يحلم زياد علوكي مثلا بوزارة او نيابة؟ على الاقل هو يعرف اولويات باب التبانة. وانا شخصيا؟ سأنتخبه. يعرف، مثلنا، ان حل المسألة بين باب التبانة وجبل محسن لن يستغرق اكثر من بضعة اسابيع ان قامت الدولة بتوزيع الوظائف وابواب الرزق الثابتة والنظيفة على المتحاربين. نعم يا سادة. وانا اراهن من دون خرطوشة واحدة. فالمشكلة الاساس ليست في المذهبية بل في الاقتصاد. المذهبية عند الفقراء لا تنمو الا ان غاب الامان الاقتصادي. نعم انا ابنة باب التبانة أؤكد لكم ذلك. هذه ربما طريقة نسائية بالتفكير. اي طريقة الموجودين خارج السلطة. طريقة تفكير من لا حسابات له ومن لا يقدم اولوياته الشخصية على اولويات الوطن. لذلك، تبدو النساء لهامشيتهن، صاحبات افكار خلاقة.

هكذا، تخترعن اشكالا في المقاومة في المجالات التي ينشطن فيها. منها مثلا حركة ظهرت على فايسبوك أخيرا تحت عنوان” بتصوتلنا مننتخبك”. اي ان المقايضة المطروحة هنا من قبل ناشطي وناشطات اقرار قانون العنف الاسري من دون تعديل، تقوم على المقايضة التالية: لن ينتخبوا اعداء اقرار القانون الا اذا صوّت هؤلاء لإقراره في المجلس النيابي.
جيد. هذه مقايضة قائمة على اسس صحيحة: تنفذون ارادتنا كممثلين لنا، نقبل ان نعيد انتخابكم. اصلا هذه هي القاعدة في العالم حيث هناك آليات محاسبة في عملية اختيار ممثلي الشعب. ولكن، هل يستطيع هؤلاء الناخبين الناشطين فعلا ان يعيدوا انتخاب اي احد من المخاطبين اعلاه في الحملة؟ وهل وصل هؤلاء النواب فعلا باراداة شعبية صافية ليهددوهم بانهم لن يعيدوا انتخابهم؟
اصلا الجوهري في عملية الابتزاز هذه، هو اعتراف الناشطين الضمني بفساد هؤلاء اولا، وبعجزنا عن إزالتهم من مكانهم بالارادة الشعبية ثانيا، والا ما نفع لتهديد والترغيب والترهيب بالتصويت؟! يعلم هؤلاء النواب جيدا من الذي اوصلهم الى اماكنهم. فكيف سيتفاعلون مع الحملة؟ هل سيذهبون للتصويت صاغرين وهم يرتجفون؟
مشكلة منظمات “المجتمع المدني” انه كيان مبدد للطاقات احيانا. اي انه، ومع كونه وللود للافكار الجميلة وغير المألوفة، مشرذم وضائع بين اولويات كثيرة، يتكتل حول حملات تبدو براقة ولكن عند التدقيق فيها تظهر كما لو كانت مترجمة عن افكار مجتمع آخر.
فان تهدد بعدم التصويت يعني ان تصويتك فعال ولا تشوبه شائبة. ويعني ايضا ان جسم النساء مثلا او مساندي ومساندات الحملة كبير لدرجة التأثير فعلياً. طبعا قد ينتمي الكثيرون للحملة فتصبح بذلك ذات وزن ولكن، هل صحيح انها ستؤثر؟ لا اعتقد. ليس تكسيرا للمجاذيف كما يقال، ولكن فلنفكر ثانية ربما وصلنا الى فكرة فعالة أكثر. من يدري؟
يبقى القول، ولو من باب الافتراض، ان المصيبة الحقيقية ستكون في ان يصدق الناشطون في وعودهم وان يعيدوا انتخاب هؤلاء الانتهازيين الفاسدين لمجرد انهم صوتوا لقانون يصب في مصلحة الناس تحت التهديد!

السابق
مجلس النواب يصادق على مشروع قانون حماية المرأة من العنف الأسري
التالي
طيار «الماليزية» ودّع الركاب ثم اختفى مع الطائرة