نوروز العرب

يحتفل الاكراد بعودة الربيع والحياة بعد موات الشتاء. قسوة البرد ويأسه ينحسران لتحل مكانهما آمال القيامة وأفراحها. ومنذ عقود، بات لهذا العيد معنى سياسياً عميقاً يجسد تعلق الاكراد بنهضتهم من الاضطهاد والاستتباع اللذين فرضا عليهم.

مسيرة الكرد نحو التحرر بأشكاله المختلفة، ماضية على رغم العثرات. ربما لم ينجحوا في الأشهر الماضية في عقد المؤتمر الموسع الذي كان من المفترض أن يضم ممثلين عن قواهم الرئيسة في العراق وسورية وإيران وتركيا الذي دعا إليه رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني بسبب ما ظهر من خلافات داخلية وضغوط مارسها عدد من الدول، بيد أن ذلك لا يعني أن النافذة التاريخية أمام دفع المشروع الوطني الكردي قُدماً، قد أُغلقت.

على الجانب العربي، دفع الاكراد ثمناً باهظاً لتحكم أنظمة الاستبداد بهم زمناً طويلاً وللتقسيمات الاستعمارية التي جاءت على حساب حقوقهم القومية ومصالحهم. ومع موجة الزلازل التي تضرب المشرق العربي منذ سقوط نظام البعث بشقه الصدامي في 2003، بات من الملح إعادة رسم العلاقات العربية –الكردية ضمن عملية إعادة تشكيل المنطقة.

ويفترض أن تكون حقبة التغيرات التي ما زالت منطقتنا عند عتبتها الخارجية، حقبة انعتاق من تبعات العلاقة المختلة السابقة والتي عانى الاكراد فيها معاناة لا تختلف في العمق عن تلك التي أصابت شركاءهم العرب في سورية والعراق، وأن تتمكن شعوب هذه المنطقة بعربها وكردها وآشورييها وتركمانها وأرمنها وغيرهم، من صوغ علاقات جديدة تأخذ في الاعتبار مصالح الجميع ضمن شكل سياسي ناتج من تفاوض جدي وواعٍ. ويتمنى المرء أن تتمكن القوى السياسية العربية من فهم أفضل للواقع الكردي والسعي إلى محاكمة ليس فقط الأفراد الذين انتهكوا الحقوق والحريات والكردية، بل أيضاً محاكمة الثقافات والسياسات والمعطى الاجتماعي الذي أنتج هذا النوع من الممارسات الشوفينية.

من الجانب الكردي، من المفترض أن يرافق نهاية أنظمة الاستبداد العربية، نهاية مقابلة لنزعات التطرف الكردي التي بدأت تذر بقرنها خصوصاً في سورية. صحيح أن خطراً جديداً راحت تمثله جماعات الإسلام الجهادي المتطرف، وكأن على ممثل العرب في صلتهم بالكرد أن يقيم إما على الحد البعثي أو الحد «الداعشي»، لكن الصحيح أكثر هو أن قصر التصور الكردي لمستقبل العلاقة مع العرب بعلاقة حربية مع جماعات من نوع «داعش» يقضي على فرص تجاوز مخلفات الماضي والتطلع إلى مستقبل مشترك.

ويدخل في الصنف ذاته من سوء الحساب الاعتقاد بالقدرة على تكريس واقع مختل بسبب ضعف هياكل الدولة في العراق وسورية. واستبدال غلبة مسلحة وقهرية عربية بأخرى كردية من الطينة ذاتها لن يكون غير إعداد الميدان لجولات جديدة من الحروب والاقتتال.

وغني عن البيان أن شعوب هذه المنطقة قد أنهكتها عقود من السياسات العبثية التي انتهت إلى فقر عام وتخلف لا يختلف عاقلان في تشخصيه وتبيانه. ومن دون السقوط في وعظية سطحية، يبدو الوقت ملائماً في هذه المرحلة لتعرف القوى الكردية والعربية إقامة صلات ترتكز إلى نقد للماضي بكل آثامه وجراحه والشروع في ما دراسة ما ينفع أهل هذه المنطقة، بغض النظر عن الشكل السياسي والكياني. فالأهم هو استيعاب التركة الثقيلة والنظر إلى المستقبل المشترك.

السابق
الأنباء: شخصية من خارج 14 آذار و8 آذار ستصل إلى قصر بعبدا
التالي
تحرير الوطنية!