تحرير الوطنية!

عرسال

مفهوم الوطنية من المفاهيم التي يدور حولها جدل واسع، ويختلف باختلاف الزاوية التي يُتناول منها، وهوية المتحدث عنها، ومع المخاطر التي تكتنف المنطقة والمعطيات التاريخية، نجد أن مفهوم الوطنية السعودية يحتاج إلى تحرير وتعريف واضح ودقيق بما يتناسب مع مكانة المملكة الشرعية وتاريخها العريق.
ومن الطرائف أن «النخبة» فضلاً عن العامة يختلفون في تحديد مفهوم الوطنية بين الانتماء أو الحنين إلى الأرض أو العلاقة بين الفرد وقيادته أو قيام الفرد بحقوق وطنه أو نيل الحقوق والقيام بالواجبات في علاقة بين الفرد والحكومة، أو….، وتتبعها أو تحمل تعريفات متباينة للوطنية تختلف من دولة لأخرى، بل ومن مثقف لآخر، ما يعكس غبشاً في مفهوم الوطنية.
ويتنازع «الوطنية» طائفتان بين غال وجاف، يضعف معهما صوت الوسطية العاقل، فبين منادٍ بالقومية الوطنية التي تستورد مفهومه من الغرب لدى مجتمع مسلم يختلف اختلافاً جذرياً عن الدولة التي تم استيراد المفهوم منها، وتريد أن تعزلنا عن العالم الإسلامي وهمومه بمسمى «الوطنية»، وبين جاف لمفهومها محارب لها، يرى أن في اعتمادها محاربة للأمة الإسلامية، وعزلاً بين الشعوب المسلمة بمسمى: «الأممية»، وصرنا بين منادٍ لقوقعتنا على ذواتنا في عالم العولمة والانفتاح الثقافي، ويريدنا أن نكون جزيرة منعزلة وسط المحيط، وبين مذيب لهويتنا وكياننا يريدنا أن نعيش كرات ثلج في مساحة مائية، مع العلم أن تأثيرنا في الشعوب الإسلامية لا يمكن أن ينبني ما لم نرسم مفهوماً للوطنية يجعلنا الأقوى والأكثر تأثيراً، وبين هذين الصوتين المتطرفين يتوارى صوت العقل والوسطية، وأن الوطنية الحقة هي المحافظة على مكتسباتها ومعطياتها التاريخية وخصوصيتها، والقادرة على التأثير في الساحة الإسلامية والعـالمية.
لن أتحدث عن التأصيل الشرعي لحب الوطن، لأن حب الأوطان فطرة، بل قرن الله ألم مفارقة الأوطان بخروج الروح من جسدها، فقال: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ)، لكن سأتحدث عن ضعف تعزيز الهوية الوطنية لغياب المفهوم الدقيق لمفهوم الوطنية السعودية، ما أدى بدوره إلى عدم فك فلسفة الرموز الوطنية مثل العَلَم والنشيد، وسل نخبوية المجتمع – فضلاً عن عامتهم – عن سبب اختيار اللون الأخضر للعلم السعودي، وشعار السيفين والنخلة، تجد تبايناً في التفسيرات، بل إن التاريخ الوطني المشرّف للدولة السعودية لا يدرسه الطالب إلا بطريقة سرد ممل يفتقد عنصر التشويق والطرح العصري للتاريخ الحديث، ما يجعل الطالب يستجدي أستاذه بأن يحذفه أو يخفف منه، وهذا يدعونا إلى درس إعادة صياغة التاريخ الحديث للطلاب بما يتناسب وروح العصر، وإلى اعتماده كمتطلب من متطلبات الجامعة، يُركز فيه على الجوانب الإنسانية والقيم الحضارية للدولة السعودية في مراحلها الثلاث، وموقف القيادة المشرّف في الدعوة إلى التوحيد ومحاربة الشرك.
إن تحرير مفهوم الوطنية السعودية مشروع ريادي عظيم يجب علينا ألا نتأخر في تحريره وتحديده بناء على مكانة المملكة الشرعية وخصوصيتها الزمانية والمكانية، والعوامل الموضوعية التي تجمع بين أبنائها من اتحاد الدين واللغة واللحمة الاجتماعية، وبعد تحديد المفهوم الدقيق للوطنية السعودية سنستطيع رسم الخطط الاستراتيجية للوطنية، وزرع قيم المواطنة في نفوس أبنائنا، وللملك عبدالعزيز كلمات تكتب بمداد من ذهب في هذا الموضوع.
أخيراً، الوطنية لا يمكن أن تختزل في شعارات تردد من دون أن تكون مشاريع قائمة، وقيماً حضارية تجعل الفرد منا يفخر أمام العالم أجمع بأنه سعودي.

السابق
نوروز العرب
التالي
الافراج عن جورج طهمزيان فجرا دون دفع فدية