أوكرانيا ليست لبنان وروسيا ليست سوريا

من حيث الشكل نجد شبها كبيرا في الظاهر والمضمون، لكن هناك الكثير من الاختلافات الجوهرية في عمق القضيتين. فلا يمكن بأيّ شكل من الأشكال أن نقيس سوريا بروسيا من حيث القوّة والنفوذ واستقلالية القرار. ومعظم الشعب الاوكراني ولاؤه لاوكرانيا، باستثناء أقلية عرقية روسية في شبه جزيرة القرم وبعض المناطق الشرقية، أما لبنان فمعظم طبقته السياسية، التي هي انعكاس للشعب اللبناني، ولاؤها للخارج وتفضل مصلحة الدولة الأم التي هي ليست لبنان.

عام 1654 تمّ توقيع معاهدة برياسلاف بين الزعيم الأوكراني خميلنيا تسكى وبين قيصر روسيا. وهي تضمّنت تعهّد روسيا بحماية أوكرانيا ضدّ هجمات البولنديين، كمدخل للهيمنة الروسية على أوكرانيا.

عام 1976 دخل الجيش السوري لبنان تحت ذريعة حماية المسيحيين من منظمة التحرير الفلسطنية وإنهاء الحرب، وبقي جاثما على صدور اللبنانيين حتّى عام 2005، حين خرج وبقيت ذيوله وآثاره.

أوكرانيا ولبنان جاران ضعيفان لدولتين طالما اعتبرتهما، كلّ للآخر، جزءا لا يتجزأ من سوريا ومن أوكرانيا. فلبنان لطالما عانى من جارته سوريا ومن نظامها البعثي الذي يعتبر لبنان جزءا من الدولة السورية الأمّ، ولا يرى في لبنان سوى حديقة خلفية له وعمق استراتيجي لأهدافه السياسية والأمنية .

النظام السوري، وإن كان أصغر وأضعف، إلا أنّه في العمق لا يختلف كثيرا عن النظام الروسي المتحدّر من جذور القياصرة والحالم بإعادة أمجادهم الغابرة. يبدو هذا جليا في النظرة الروسية، التاريخية والمتجدّدة، إلى أوكرانيا التي يراها عمقا استراتيجيا له وبوابته نحو أوروبا وخطّ دفاعه عن محاصرته من حلف “الناتو” والتمركز على حدوده.

من حيث الشكل نجد شبها كبيرا في الظاهر والمضمون، لكن هناك الكثير من الاختلافات الجوهرية في عمق القضيتين. فلا يمكن بأيّ شكل من الأشكال أن نقيس سوريا بروسيا من حيث القوّة والنفوذ واستقلالية القرار.

أولا روسيا دولة كبرى مستقلّة القرار والموارد وتعدّ لاعبا دوليا مؤثرا في الكثير من القضايا العالمية وهي دولة مصدّرة للكثير من الصناعات والمنتوجات ولديها اكتفاء ذاتي، إن كان على الصعد العسكرية أو الزراعية والتكنولوجية. أما سوريا فدولة تابعة لمحور تسيطر عليه إيران، وروسيا، وهي دولة غير صناعية تستورد الصناعات والمنتوجات الغذائية والتكنولوجية والعسكرية وتعتمد بشكل كبير على المساعدات المالية من إيران.

ثانيا: روسيا دخلت شبه جزيرة القرم التي تعدّ حاليا جزءا من الأراضي الاوكرانية والتي هي بالاساس أراضٍ روسية ذات أغلبية سكانية جذورها روسية. أما سوريا فتشهد حربا داخلية استدعت دخول فئة عسكرية لبنانية لمساعدة النظام السوري على الأرض السورية.

ثالثا: النظام الروسي يسيطر على أراضي روسيا كلّها، وهو، تقريبا، متصالح مع شعبه، وتحكمه الأغلبية. أما النظام السوري فلا يسيطر سوى على أكثر من 50 % من الأراضي السورية، وهو في حرب ضدّ معظم شعبه، ويحكم باسم أقليّة، وعلى الأكثر باسم “أقليّات”.

ما يميز اوكرانيا عن لبنان أنّ معظم الشعب الاوكراني ولاؤه لاوكرانيا، باستثناء أقلية عرقية روسية في شبه جزيرة القرم وبعض المناطق الشرقية. وهو شعب موحّد يعمل من أجل مصلحة دولته الام. أما لبنان فمعظم طبقته السياسية، التي هي انعكاس للشعب اللبناني، ولاؤها للخارج وتفضل مصلحة الدولة الأم التي هي ليست لبنان.

على حدود أوكرانيا وروسيا لا يوجد كيان صهيوني مصلحته العليا وأمنه هما الأساس في المنطقة التي تدور بها الاحداث، وأيّ قتال بين أخصامه يجب أن يستمر من دون حسم لتأدية هدف استنزاف الخصوم.

والأهم أنّ في أوكرانيا وروسيا لا يوجد سنة وشيعة وشيوخ تقودهم نحو التهلكة. ولا قتل بلا هوادة باسم الدين والفوز بجنّات الخلد المستنسخة من صكوك غفران القرون الوسطى .

كثيرون هم من ابتعدوا عن التاريخ والجغرافيا والسياسة عندما شبهوا الأزمة الأوكرانية بما يحصل في لبنان وسوريا. فأوكرانيا خرجت من تحت المظلة الروسية بغضّ النظر إن كانت روسيا ستسترجع القرم أم لا. والأزمة الاوكرانية ستذهب إلى حلّ سريع بتسوية سياسية، أما سوريا فأزمتها طويلة وحربها مستعرة وأفقها غير منظور ولبنان مرتبط بها ارتباط التاريخ والجغرافيا والسياسة.. يميل كما تميل الرياح السورية.

السابق
الجيش السوري يعلن سقوط يبرود والمعارضة تنفي
التالي
اسرائيل: حزب الله اختار عبوة صغيرة الحجم لعدم توريط لبنان بهجوم عسكري