مأساة يندّى لها جبين الانسانية على أرض لبنان قاصرات سوريات للبيع

دعارة الفتيات السوريات واستغلالهن، وبيع القاصرات منهن، وتأجير أخريات في كل بلدان اللجوء السوري لم تنته فصولها. فرغم التقارير الاعلامية التي أثارت الموضوع، وفضائح وروائح فاحت من مخيمات الشتات السوري في البلدان التي لجأت العائلات السورية اليها، ولا سيما في المخيمات المكتظة، لا تزال تدور تجارة لم تكن يوماً سرية بالرقيق الابيض، على مستويات متفاوتة.

تتعرض قاصرات لأعمال اغتصاب ممنهجة على أيدي من يفترض فيهم انهم حراسهن، أو القيمين على إيصال المساعدات العينية والطعام إليهن وإلى عائلاتهن في معظم الاحيان!
تفاصيل الحديث في هذا النوع من الجرائم المتواصلة، طويلة جدا، وقد يبدو لافتاً التشابه بين أساليب التجارة القذرة بالفتيات السوريات الهاربات من جحيم الحرب، بين دولة وأخرى، كما هي متشابهة أعمال الاغتصاب التي يتعرضن لها في أكثر من مخيم، في دول الجوار مثل تركيا والاردن ودول الخليج والعراق ولبنان، حيث بات الاستغلال الجنسي للاجئات السوريات على انواعه ظاهرة لا تقتصر على بلد معين، إنما تكاد تكون أصبحت أشبه بسوق نخاسة تباع فيها الفتيات على طريقة “المزاد العلني”.
تفاصيل الحكايات على هذا المستوى مؤلمة يندى لها جبين الانسانية، ولكن تبقى المشاهد الاكثر استفزازا لإنسانية الانسان هي الحكايات التي تتسرب الى الاعلام وتحوي تفاصيل عمليات بيع آباء وامهات لبناتهن القاصرات في مقابل مبالغ قد لا تسد الرمق في بعض الحالات التي حكي عنها ونشرت في اطار تحقيقات متلفزة استخدمت فيها تقنية “إعادة التمثيل” لاستفزاز المشاعر الانسانية.

ظاهرة واسعة

أما قضية استغلال الفتيات السوريات اللواتي يعرضن اجسادهن للايجار فهي من قبيل تحصيل الحاصل في كل الدول التي سبق ذكرها، ولا تنتهي عند حدود لبنان، الذي باتت فيه هذه الظاهرة واسعة فيه الى درجة انهن حللن مكان ما يعرفن بـ”الفنانات” اللواتي يستقدمن من دول اوروبا الشرقية للعمل في الملاهي والنوادي الليلية، المنتشرة في مناطق سياحية معينة في لبنان.
واذا كان هذا القطاع من “الفنانات” مضبوطاً الى درجة معينة من رجال أجهزة الامن المعنية، فان ما ليس محصياً ومضبوطاً هو الفلتان الذي بات سمة بارزة على الطرق لبعض العاملات في قطاع بيع اللذة العابرة، وجلهن من السوريات اللواتي رمت بهن أقدارهن على قارعات الطرق وعند مفارق المنعطفات المؤدية الى المدن الرئيسية في معظم المناطق الرئيسية في لبنان.
هذا النوع من الجرائم والارتكابات والمخالفات للقانون، قلما يقيد في سجلات القوى الامنية رسمياً، نظراً الى ما يستدعيه ذلك الاجراء من ضرورة سير القضية في سياقها القانوني الذي يفضي في نهايته الى حتمية تقديم المتهمين والمتهمات الى المحاكمة العلنية لدى القضاء الجالس. لذلك تنتهي غالبية القضايا المشابهة في مرحلة التحقيقات الاولية في المخافر، وبطرق لا تستفز النيابات العامة التي لا تتمنى بدورها توسيع “الشوشرة” في مثل هذه الملفات الحساسة، وبالتالي يتم طمس الكثير الكثير من هذه القضايا في مراحلها الاولى بغض نظر ضمني من جميع المعنيين.
ولكن تبقى جرائم مدرجة في قائمة قيود قوى الامن الداخلي، على قلتها، وقد بلغت خلال العام الماضي 27 من القضايا التي اتهمت بها فتيات سوريات يمارسن بيع الهوى بطرق مختلفة، تم توقيفهن وأحلن على القضاء مع مشغليهن وكل الضالعين في أطر الشبكات التي تستغلهن.
سلسلة حكايات الاستغلال الجنسي للقاصرات السوريات طويلة ومتماثلة الى درجة ان تقديم نموذج منها يمكن ان يغني عن سردها. فالشبكتان اللتان اوقفتهما أخيراً قوة من مكتب حماية الاداب في قوى الامن الداخلي مع الرؤوس التي تستغل أفرادهما من الفتيات السوريات في منتجعات بحرية في منطقتي وادي الزينة في جبل لبنان وكفرعبيدا في الشمال، تبينان ان قوام الشبكة الاولى التي يديرها سوري مع زوجته اللبنانية اربع فتيات، والثانية مؤلفة من ست فتيات بينهن قاصرات بعمر الورود.
لكن أبشع ما بيّنته التحقيقات الاولية التي حصلت عليها “النهار” هي أن الفتيات في الشبكتين تعرضن لأسوأ الاستغلال. اذ كن يجبرن على ممارسة الدعارة تحت وطأة التهديد والضرب العنيف من مشغليهن، اضافة الى حجز بطاقات هوياتهن وجوازات السفر الخاصة بهن لضبطهن في اماكن اقاماتهن تلك، وعدم هربهن الى أمكنة أخرى ولا سيما في الشوارع العامة والطرق حيث تنشط شبكات أخرى في استغلالهن. وأشارت التحقيقات الاولية في حينه الى ان أسعار “الاستغلال” تتفاوت بين فتاة وأخرى وتبعاً للوقت الذي يريده “المشتري” والمكان، والمعدل الوسطي للاسعار هو حوالى مئة دولار اميركي لليلة كاملة. واللافت هو ان الفتاة لا تحصل على أي دولار بل يذهب المبلغ كاملاً الى الشبكة المستغلة.

حكايات وخبايا
وللساحات والشوارع العامة ومفترقات بعض الطرق في لبنان حكايات أخرى مع لاجئات يتم تشغيلهن “على عيون الحراس” في ظروف تبدو مختلفة نسبياً عن أوضاع “شبكات المنتجعات”، اذ بات معلوما لدى عابري تلك الطرق انها امكنة اصطياد الزبائن حيث يتمركز عدد من الفتيات عند بعض المفترقات المعلومة في المناطق اللبنانية كافة، وينتظرن “سيارات الاوتوستوب”.
وروى احد العارفين بخبايا الملف لـ”النهار” ان قاصرات يشغلن ويتم استغلالهن بتن ينافسن “الفنانات الاوروبيات في لبنان” وان “أسعار” فتيات الطريق زهيدة تقتصر احيانا على بضعة آلاف من الليرات!
وبين هذه وتلك من طرق الاستغلال الرخيص يبقى الموقف الاكثر إثارة للاشمئزاز موقف آباء البعض من الفتيات الذين “يبيعون” بناتهن، القاصرات منهن بصورة غير مباشرة، عندما يوافقن على اجراء “زواج براني” كما يوصف، اذ يحضر اي كان الى والد الفتاة وينقده مبلغاً معيناً لقاء موافقته على هذا الزواج، ثم يصطحب الفتاة حيث “يبيعها” ويشغلها على هواه من دون ان يردعه أحد.
في ختام الصورة القاتمة: عصابات استغلال البشر التي تستغل المآسي والحروب باتت متعددة ونشطة، وهذا امر جلل يستدعي تحركا عاجلا على كل المستويات، لوضع حد لها!

السابق
سلحفاة معمّرة في العبودية
التالي
الاب هادي عيا: القوى الامنية ضبطت 20 هاتفا في سجن القبة في طرابلس