إنه عيد المرأة السورية

من ثوابت التاريخ المظفر للحروب التي خاضها الغزاة، ومهما كانت أطوارهم أو أنواع أسلحتهم، تأتي استباحة نساء الطرف المهزوم كنتيجة “منطقية”، متوقّعة، لإنتصار الغازي. والإغتصاب واحد من أوجه هذه الإستباحة، الأقدم، الأكثر بربرية وتدميراً لكيان المغتصَبة، الجسدي والروحي. ولطالما وجد المؤرخون تبريراً “علمياً” لهذا الإنقضاض على أجساد النساء من الطرف المهزوم. إنها مادة التيستوستيرون، التي تقوى عند الحروب، انها الدافع “البيولوجي” للإغتصاب. لا تستطيع الوقوف في وجهه، يقولون، غنه فعل من أفعال الحرب التي لا يمكن للضوابط والقوانين أن تحدّ منها.. الخ.

وإذا أردتَ أن تعطي معنى للإغتصاب الجماعي الذي تتعرض له النساء السوريات من قبل أجهزة الأمن النظامي، فلا يمكنك تفادي تلك النظرة المتأصلة للمغتصِب إزاء ضحيته التي “انتصر” عليها. أقصد إن بشار الأسد، بتنظيمه الممنْهج لعمليات الإغتصاب في أقبية سجونه وزنْزناته و”غرف التحقيق” التابعة لها، يريد أن يقول للشعب السوري أولاً وأخيراً بأنه خصم عسكري، هو الخصم، هو العدو، لا غيره من صهيونية وإمبريالية، وأن هذا العدو انتصر على هذا الشعب، وهو الآن في صدد توقيع انتصاره على أجساد نساء ذاك المجتمع.

إغتصاب السوريات يعني أن الشعب السوري طرف، وأن قوات بشار وحلفاءه طرف معادٍ، غاية حربه عليه هي حماية انتصاره على هذا الشعب. وهي تدور في المجالات كلها على الاطلاق، بما فيها جسد السوريات. بل إن هذا الوجه من الحرب هو “خيار سياسي” (عبد الكريم الريحاوي، رئيس الرابطة السورية لحقوق الانسان). والخيار يعني التخطيط، التنظيم، بدم بارد، ومن دون هيجان التيستوستيرون؛ بل أحياناً بـ”حبوب منشطة” للإغتصاب، يعطيها المسؤولون للأنفار من السجانين و”المحقّقين” لتكون لديهم القدرة على الإغتصاب. أو يأمرون أخوة النساء المستباحات بأن يغتصبوهن، وإلا فالقتل. الوحشية حولت عملاً يصفه المؤرخون، الذكور في غالبيتهم، بـ”العفوي”، أي الحتمي لأسباب بيولوجية تخرج عن إرادة الإنسان… إلى “خيار سياسي” ينفَّذ بخطة محكمة وبأبرد الدماء.

بحسب تقارير منظمات عالمية وسورية لحقوق الإنسان (*)، تعرضت خمسون ألف امرأة سورية للإغتصاب في سجون الأمن السوري. والرقم يمكن أن يكون في الواقع مضاعفاً، إذ انه لا يغطي أعمال الشبيحة، ولا تلك الفردية التي تكون قد حصلت من جانب بعض المعارضين في ظلمة أزقة الحرب الرهيبة التي يتعرض لها الشعب السوري. ولا يغطي طبعاً الصمت المبطق الذي يصيب المغتصبات، بسبب العار الذي يلحقه البوح بشرف الأسرة وأفرادها.

وهذا موضوع عنف جنسي آخر، فوق العنف الأسدي، يمارسه المجتمع، الضحية، ضد واحدة من ضحايا الحرب التي تريد أن تبيده: فالمرأة التي تعرضت للإغتصاب، الجماعي دائماً، المتكرر طوال فترة السجن… تلك المرأة، لو خرجت “سالمة” من أقبية النظام، ينتظرها عقاب عائلي لا يقل فظاظة وابتذالاً: فإن لم يطلّقها زوجها، أو يطردها من المنزل، وهذه أرحم العقوبات… يتنادى أفراد العائلة من الذكور، بالتواطوء مع الإناث، لقتل المغتصبة، ودفنها مع عارها تحت التراب. هم طبعاً من الجهل والتزمت بحيث تعمى بصيرتهم عن رؤية، أو الشعور، بأن تلك المرأة التي  أمامهم دفعت من رحمها ثمن خوضهم للثورة ضد بشار. وأن أكثر ما تحتاج إليه الآن هو الإحتضان والعلاج، الروحي قبل الجسدي. فهي مصابة بأكثر من الموت. وبعد ذلك يوقّعون صك إعدامها، بداعي حماية شرف النساء…

إن أكثر نساء الدنيا استحقاقاً للتكريم والتضامن والتذكّر في يوم المرأة هي المرأة السورية. هي لا تكتفي بحمل عائلتها فوق أكتافها نحو أي أمان، في أية بقعة ممكنة. ولا بإعادة اختراع الحياة أينما حلّت، وبالإمكانات التي نعرفها جميعاً. إنما فوق ذلك تعذّب جنسياً، وبأصناف من الوحشية المتفاوتة المستوى. وبدلاً من كل هذه الاحتفاليات الإعلامية الفارغة، المقامة بمناسبة هذا العيد، فلنُلقِ نظرة على ما يفعله بعض رجالنا اللبنانيون بضيوفهم السوريات: فعل الاغتصاب سارٍ طبعاً، وهو الأسهل من بين وسائل تعذيب السوريات. يأتي قبله تزويج القاصرات السوريات، وتنظيم شبكات الدعارة لسوريات فقط، على أساس إن السعر “أرخص”، “اللحم أرخص”…

 * المعلومات الواردة عن اغتصاب السوريات مصدرها تقارير المنظمات التالية: منظمة العفو الدولية، الفيدرالية الدولية لروابط حقوق الانسان، هيومن رايتس ووتش، المنظمة الأورو-متوسطية لحقوق الانسان، وكالة الغوث العالمية والرابطة السورية لحقوق الإنسان. 

السابق
الصين واليابان: ضجيج جيو-استراتيجي خَطِر
التالي
سماع رشقات في شبعا المحتلة