أية أصناف يفترض حمايتها؟

في يوم المحميات الذي صادف أمس، لم يعد هناك من معنى من تعداد المحميات التي صدرت بقوانين في لبنان او تلك المنتظر صدورها. وذلك بعد أن بات السؤال الذي يطرح، ما الذي تجب حمايته بعد اليوم في ظل التغيرات المناخية؟ ما هي النباتات التي تصمد وتلك التي لن تصمد مع ارتفاع درجات الحرارة المتوقعة؟ ما هي الانواع التي تجب حمايتها وتلك الممكن التضحية بها؟ من يستطيع أن يحدد خيارات مصيرية كهذه تتعلق بحياة الكائنات ومقومات الحياة كل الأنواع التي نعرفها والتي لا نعرفها؟

كان متوقعاً أن يكون هناك تأثيرات كبيرة وخطيرة على المياه في لبنان وعلى الزراعة والأمن الغذائي بشكل عام. وقد كتب الكثير حول هذا الموضوع في السنوات الأخيرة، إلا أن الموضوع الذي لقي اهتماماً أقل، هو مدى تأثير تغيّر المناخ، الذي شهد لبنان هذا العام فصوله الأولى، على الغابات والأحراج والتنوع البيولوجي عامة. فكيف ستتم دراسة هذا الموضوع وما هي السيناريوهات المحتملة؟ ما هي الأنواع من الاشجار والنباتات البرية القادرة على التأقلم وتلك غير القادرة؟ وما الذي يمكن فعله؟ ماذا عن عمليات التحريج وإعادة التحريج التي تحصل منذ سنوات؟ وهل تم الأخذ بالاعتبار هذه القضية عند اختيار انواع الشتول المقاومة للتغيرات المناخية ولا سيما لارتفاع درجات الحرارة لأكثر من درجتين مؤيتين، كما هو متوقع؟
نظم مشروع التحريج في لبنان (LRI) المموّل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية والمنفذ من مديرية الأحراج الأميركية (USFS) لقاء الأسبوع الماضي حول طاولة مستديرة لمناقشة أبرز نتائج دراسة حديثة تتمحور حول انعكاسات التغير المناخي المحتملة على توزّع بعض أصناف الأشجار الحرجية المختارة في لبنان.
كما تتضمّن الدراسة توقعات حول التغيرات التي ستطرأ على الأحراج في مجموعة من سيناريوهات تغيّر المناخ من الآن وحتى العام 2050 لما يقارب عشرين صنف شجر محلي المنشأ بما فيها الأرز واللزاب والصنوبر والبلوط وغيرها. وقد تولى مركز البحوث التطبيقية في تنمية الحراجة الزراعية (IDAF) إجراء دراسة وضع النماذج بدعمٍ من مشروع التحريج في لبنان.
ولكن لا نعرف كيف استسهال انتقاء 20 نوعاً من الانواع الحرجية في لبنان (دون غيرها) لحمايتها أو تشجيرها… وبناء على أية فلسفة وأية معايير؟ مع العلم ان الاستراتيجية الوطنية للحفاظ على البيئة في مواجهة التغير المناخي التي وضعتها الولايات المتحدة نفسها في آذار الماضي (2013)، لم تجرؤ على تصنيف أصناف محددة التي يفترض المحافظة عليها، بالرغم من تأكيدها ان الهدف الأول للاستراتيجية الوطنية للتأقلم المناخي للأحياء البحرية وللحياة البرية والنباتات هو «المحافظة على المَوَاطن الطبيعية لدعم التجمّعات السَّمَكيّة، ودعم الحياة البرية والنباتات في ظل مناخ متغيّر»، إلا أنها في متن الاستراتيجية نفسها عادت وحذرت من إعطاء الأولية للحفاظ على أنواع معينة على حساب أنواع أخرى، لأن هذا قد يعني فوز بعض الأنواع، وخسارة البعض الآخر. كما أشارت من جهة اخرى، الى وجود تيار بيئي صاعِد لتَقَبُّل فكرة التخلي عن حماية أنواع وتجمعات وأنظمة بيئية عدة أكثر عرضة لخطر الانقراض من جرّاء التغير المناخي. مما يدل على وجود حالة إرباك كبيرة حول كيفية التعاطي مع مسألة تغير المناخ وحماية الأنواع.
في الحصيلة، من المتوقع أنْ يتسبب التغير المناخي بالكثير من الضرر على التنوع الحيوي، مثلما هو حاصل بالفعل في أماكن عديدة… ولكن من الصعب أيضاً تحديد تأثيراته الفعلية. في الوقت ذاته، هناك العديد من المخاطر المفهومة بشكل أوضح، ولها تأثير مباشر، أهمها التدمير المباشر للمَوَاطن الطبيعية عبر العمران والحرائق والردميات والنفايات الصلبة والسائلة والمقالع والكسارات والمرامل والبستنة (مع استخدام الكيميائيات)… حيث تدفع كل هذه الاستثمارات والتعديات بشتى الأنواع إلى الانقراض. وقد كان علينا ببساطة أن نركز على معالجة حل هذه القضايا كأولوية.
ح. م.
تضمّن نقاش الطاولة المستديرة عرضاً موجزاً قدّمه معدّو الدراسة ومداخلتين من خبيرين محليين حول الانعكاسات البيئية والاقتصادية المترتبة على نتائج الدراسة حول التغيرات المناخية.
عن أهمية وضع نماذج مرتكزة على المناخ في توضيح دور تغير المناخ في تزايد تغير الأصناف التي تنمو في لبنان وارتفاع خطر اندلاع الحرائق في غاباته، تحدّث الدكتور جورج متري من مركز البيئة في جامعة البلمند. أما فادي أسمر، الخبير اللبناني في علم النظم الإيكولوجية، فسلط الضوء على التكاليف الاقتصادية المقترنة بالتغير المحتمل في مناطق الغابات والحاجة إلى إدراج هذه المناطق التي تشهد التغير في الخطط التنموية على الصعيدين المحلي والوطني.
وقد شارك في الفعالية ما يقارب ثلاثين شخصاً يمثلون مؤسسات عدة محلية ودولية ومنها منظمات تحريج وجامعات ومنشآت بحوث وخبراء محليون في التحريج والغطاء النباتي. تركزت النقاشات حول الانعكاسات على التحريج في المستقبل وعلى جهود إعادة المراعي في لبنان إلى وضعها السابق، بما فيها تدابير التكيف وتخفيف الوطأة التي يمكن اتخاذها.

مشاريع التحريج
أنتجت الدراسة خرائط رقمية كثيرة حول التغيرات المستقبلية المحتملة التي ستطرأ على توزع الأصناف المحلية المنشأ في لبنان وستصبح هذه الخرائط متوفرة قريباً على موقع المشروع (www.lri-lb.org) وستساعد مخططي عمليات التحريج على معرفة أين عليهم تركيز جهود التحريج في لبنان وبأي أصناف.
يمتد مشروع التحريج في لبنان (LRI) كما هو معلوم، على فترة أربع سنوات؛ وهو مموّل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) بميزانية قيمتها 11.9 مليون دولار أميركي ومنفّذ من مديرية الأحراج الأميركية (USFS). يهدف هذا البرنامج إلى بناء قدرات المنظمات البيئية ومؤسسات لبنانية أخرى لإدارة الغابات بشكل مستدام وتوسيعها، والتشجيع على زرع مئات آلاف الأغراس المحلية المنشأ في مواقع مختارة موزعة في كل أنحاء لبنان. ويتعاون البرنامج مع عشر بلديات موزّعة على الأراضي اللبنانية كافة لزرع 25 صنفاً محلي المنشأ.
تظهر دراساتٌ عديدةٌ أُجرِيَت خلال العقد الماضي أنّ التغيّرَ المناخي يُعزى بشكلٍ رئيسي إلى ارتفاع تركّزات غازات الدفيئة الناشئة عن النشاط البشري، والتي تنجم عنها انعكاسات على الأنماط المناخية. وفي هذه الحالة الجديدة والمتغيرة، تتطلب إدارة الغابات والسياسات ذات الصلة مقارباتٍ جديدةً تأخذ في الاعتبار آثار التغير المناخي.
حاولت الحكومات والمؤسسات والمنظمات غير الحكومية في لبنان في السنوات الأخيرة تنفيذ برامج التحريج في أرجاء البلاد كافة. ولعلّ أخذ إمكانية النمو المستقبلية للأصناف المستخدمة حالياً في التحريج في عين الاعتبار، من خلال وضعها ضمن سيناريوهات تغير مناخي مختلفة يشكّل أداةً مفيدةً لتحديد الأصناف التي ستنمو في الظروف المستقبلية.

غياب الأصناف
لهذه الغاية، حددت الدراسة نحو سبعة آلاف نقطة حضور واثني عشر ألف نقطة غياب للأصناف في لبنان. وقد تمّ التوصّل إلى توقّعات لكل صنف عبر إضافة المتغيرات المناخية للظروف الحالية وتشغيل نماذج بواسطة برنامج «بيومود 2 آر» للسيناريوهات المستقبلية.
وتُظهر هذه الدراسة نموذج تصنيف الأصناف للعام 2050، وتتناول عشرين صنفاً رئيسياً محلي المنشأ يُستخدَم عادةً في عملية التحريج في لبنان، وتضع هذه الأصناف ضمن سيناريوهات A2 وB1 التي صمّمها الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ.
بالإضافة إلى ذلك، تمّ تصنيف حساسية الأراضي اللبنانية، من حيث خسارة وفرة الأصناف جراء التغير المناخي. ويساعد هذا الأمر في تحديد الأماكن الحساسة التي يجب تأهيلها وحمايتها من حيث تنوّع الأصناف.
كما تم اقتراح توجيهات عامة للإدارة المستقبلية للتغيّر المناخي، بالإضاقة إلى تدابير للحدّ من آثاره والتأقلم معه في ما يتعلّق بكل صنف وحالة من حالات إمكانية النمو المستقبلية. أما بالنسبة إلى الفقدان المحتمل لوفرة الأصناف، فقد تمّ وضع تدابير خاصة للأماكن التي تُعتبَر أماكن حساسة في هذا الإطار.
ومن شأن الخرائط المحضّرة والملفات النقطية (ملفات الراســتر) أن تساعد مديري الغابات في اتخاذ القرارات في ما يتعــلق بالأماكــن الــتي تحتلّ الأولوية من حيث الحاجة إلى التأهيل أو الإدارة، وفي ما يتعلّق بالأصناف المحتمَل استخدامها نظراً إلى الآثار المستقبلية المترتبة على التغير المناخي.

الأماكن المقترحة للتأهيل
اهتمت الدراسة بتحديد الأماكن الأساسية التي يجب تأهيلها وتكييفها مع آثار التغيّر المناخي، والحفاظ على مستوى التنوّع البيولوجي، وتصنيف حساسية الأراضي اللبنانية من حيث فقدان وفرة الأصناف نتيجة التغيّر المناخي، والتوصّل إلى توقّعات عامة وفق سيناريوهات مختلفة للتغير للمناخي. وقد حددت الدراسة لنفسها أهدافاً محددة هي:
– تقييم وفرة الأصناف في لبنان، مع تحديد الأماكن التي يمكن أن تحتمل تنوعاً بيولوجياً أكبر من التنوع البيولوجي الراهن.
– تحديد الأماكن الأساسية التي ستخسر المزيد من وفرة الأصناف نتيجة التغير المناخي.
– وضع مجموعة من التوقعات حول التغيرات التي ستطرأ على الأحراج في سيناريوهات عدة لتغيّر مناخ من الآن وحتى العام 2050 لما يقارب عشرين صنف شجر محلي المنشأ بما فيها الأصناف المتوطنة والمؤشرة حيثما أمكن.
– اقتراح حلول محتملة وتدابير يجب تطبيقها، بهدف تحسين تكيّف هذه الأصناف في الأماكن الأساسية.

التعامل مع الأخطار
لا بد للعاملين في مجال الحفاظ على البيئة مِن أَخْذ جميع الأخطار التي يواجهها التنوع الحيوي بعين الاعتبار، وذلك عند اتخاذ قرارات بشأن اختيار أي الأنواع أو المَوَاطن الطبيعية أو المناطق التي تجب حمايتها. كما يفترض تجنب الاعتقاد بأنّ بعض الأخطار أهم من غيرها. فعلى سبيل المثال.. في أيّ محميّة، يجب تقييم وزن كل تهديد محتمَل حسب الخطر الذي يشكله، مع اعتبار كُلِّي لشدته، وإمكانية عكس تأثيره، وتَأَصُّله، وسرعته، واحتمال حدوثه.
لا شك في أن البحث عن طرق لدمج هذه العوامل لتصميم مقياس مُجْدٍ يظل تحديًا هائلًا. وهناك العديد من الوسائل المتاحة للعاملين في مجال الحفاظ على البيئة؛ من أجل إدخال التغيرات المناخية غير المحددة في معادلة تحديد الأولويات، لكن حتى الآن، لا يوجد اتفاق حول كيفية مقارنة خطر التغير المناخي المقبل بالمخاطر الحالية الأكيدة، كالتغير في استعمال الأراضي. إن تصميم نهج ثابت لتحديد الأولويات يجب أن يكون الهدف الأساسي. ومن الممكن أن تكون اللائحة الحمراء للأنواع المهدَّدة بالانقراض ـ الموضوعة من قِبَل الاتحاد الدولي لحماية البيئة ـ نموذجًا جيدًا، لأنها تدرس خطر مهدِّدات عدة.. من التلوث، حتى خطر الأنواع الغازية.
قد يجادل البعض بأنه لا توجد أيّ فائدة من حماية أحد الأنواع من مخاطر مباشرة، عندما تكون قدرتها على البقاء على المدى الطويل موضع شك. وإذا لم يقم المخططون البيئيّون باستعمال الموارد بصورة فعّالة لزيادة حماية التنوع الحيوي والمَوَاطن الطبيعية من المهدّدات الحالية، قد لا يتبقى إلا القليل لحمايته من تأثيرات الاحتباس الحراري خلال 50 إلى 100 عام من الآن.
ولعل أفضل ردّ فعل للاحتباس الحراري.. ليس التغــلب على تَرَاجُع منتظم، وحماية الأقوى، لكن التعامل مع التغير المناخي باعتباره إحدى مجموعة مشكلات، يجب التعامل مع كل واحدة منها بمهارة؛ بهدف المحافظة على التنوع الحيوي. وفي بعض الأحيان، قد يكون التغيّر المناخي هو الخطر الذي يستدعي إجراءات عاجلة؛ وفي أحيان كثيرة لا يستدعي تلك الإجراءات.

أهم عشرين صنفاً!

قيّمت الدراسة في هذا المشروع عشرين صنفاً من الأصناف الأهم لتأهيل الغابات في لبنان، وهي: الشوح، القيقب السوري، القيقب الطروسي، القطلب، الارسوتوس، العنبي، الارز، الخروب، الزمزريق، الزعرور، الشربين، اللزاب، العرعر الشربيني، الصنوبر البري، البطم، الخوخ الدب، الإجاص البري، السنديان، العزر، الملول، اللبنى.

السابق
بين المملكة الأم والإمارة ـ الجزيرة
التالي
14 آذار .. الجمعة في البيال والسنيورة يعالج ’زعل’ شمعون