في عيد المرأة: دعوة مفتوحة للحكي

ميكرو
ليس هناك امرأة حرّة. بالأحرى ليس هناك إنسان حرّ في هذه المجتمعات البائسة. هناك امرأة متحرّرة اختارت أن تخلع عنها عباءة التقليد بحثاً عن هوية ما، عن كيان آخر منفصل عن هذه الصورة النمطيّة الّتي نجد أنفسنا وقد تلبّسناها. هذه دعوة مفتوحة في عيد المرأة للحكي، لتخبري حكايتك، ليس لكي تستعرضي شريط الذكرات وتتألّمي بل لتتحرري، لتطرحي على نفسك الأسئلة، لتعيدي تقييم حياتك، لتسائلي نفسك، لتتحرّري داخلياً وتضحكي بعدها ضحكة طويلة.

ليس هناك امرأة حرّة. بالأحرى ليس هناك إنسان حرّ في هذه المجتمعات البائسة. هناك امرأة متحرّرة اختارت أن تخلع عنها عباءة التقليد بحثاً عن هوية ما، عن كيان آخر منفصل عن هذه الصورة النمطيّة الّتي نجد أنفسنا وقد تلبّسناها. الشعارات سهلة، كذلك المطالبة بالتشريع والقوانين الّتي يجب أن تحمينا نحن النساء.

القوانين قد تأتي يوماً ما ولكن هل سترتبط بالعدالة؟ هل ستنجح في أن تسقط من ذهنية هذا المجتمع فكرة أنّنا قاصرات؟ هل ستقنعنا نحن النساء أنّنا لسنا قاصرات؟ كلّما حاولت أن أكتب عن المرأة، وجدت نفسي ملتبسة ومرتبكة كأنّي أحتاج أن أحفر عميقاً في داخلي، في داخل صديقاتي، جدتي، أمي، ابنتي، داخل قوانين الطبيعة، العوالم النفسية، العدمية، الغربة، التناقضات.

أجد الوجع جلياً حين أصير امرأة مكتوبة أو حين أحوّل غيري من النساء إلى كائنات مكتوبة أيضاً. أمام فداحة القلم، يصبح الوجع أعمق وأكاد لا أصدّق أنّنا نحيا فيه. أقول أعمق لأنّه أصدق، لأنّه يمكّنني من أن ألبس مخاوفهن ومخاوفي إلى أجساد أخرى وأتنكّر منها. وأدرك الآن أنّنا لا نستطيع نحن النساء حتّى أن نحكي عمّا صنعته بنا عقود من الظلام.

سيقرأ البعض ويقول في سرّه: ما بالهنّ النسوة لا يرضيهنّ شيئاً؟ عالقات في وهم من المظلومية. ما بالهن؟ وسأنظر أنا إلى انعكاسي وانعكاسي آلاف مثلي في المرايا وأقول: ما بالنا لا نحكي؟ لا أريد أن نحكي عن الحقوق والتشريعات ولا أن أنزل وأصرخ في الشارع. أريد لصراخنا الأوّل أن يخرج في وجه جلّادينا. أريد لمنال ورولا وأخريات أن يخرجن من قبورهنّ ويخبرن غيرهن عن عذاباتهن، عن ليال طويلة من التساؤلات، هل يرحلن أم يبقين وإلى أين؟ أريد أن أعرف ماذا فعلت الحياة بأجسادهنّ، أريد لجملهنّ أن تزرع الدهشة على وجوه المستمعين.

أريد للمرأة التي صارت عاهرة أن تروي حكايتها ابتداءً من الطفولة حتّى روائح زبائنها. أريد للفتاة التي اعتدى عليها قريب أو صديق للعائلة في الصغر أن تخبر ماذا جرى لها وكيف أجرت عملية الرتق لتتزوج. وأريد للفتاة غير العذراء أن تخبرنا لماذا تركها حبيبها. أريد للأمّ المحرومة من رؤية أولادها أن تصف لنا هذيانها وللمطلقة التي يلوي ذراعها طليقها بالأولاد أن تحكي أيضاً. أريد للمرأة التي تتعايش مع خيانات زوجها أن تخبرنا أيضاً عن أسبابها وللمرأة التي قررت أن تخونه هي أن تروي وجهة نظرها.

أريدهن أن يتكلّمن لكي يتحرّرن من الذنب والشعور به، ليعرفن أنّ حكاياهنّ ليس معيبة. ثم أريدهن أن يحلمن بصوت عالٍ، ماذا كنّ ليفعلن لو اتّجهت أحلامهن إلى مكان آخر، لو لم تكن الحياء سيئة معهن. أريد لهن أن يضعن كل تلك الاحتمالات الأخرى عساهنّ يصبحنها يوماً ما.

هذه دعوة مفتوحة في عيد المرأة للحكي، لتخبري حكايتك، ليس لكي تستعرضي شريط الذكرات وتتألّمي بل لتتحرري، لتطرحي على نفسك الأسئلة، لتعيدي تقييم حياتك، لتسائلي نفسك، لتتحرّري داخلياً وتضحكي بعدها ضحكة طويلة. احكي لتعرفي أنّ الحياة ممكنة. احكي حتّى لو لم تجدي من يسمع.

السابق
الوحدة العربية: التوازن بين الذاكرة والمشهد
التالي
شبطيني: ليس ضروريا ذكر اعلان بعبدا أو حتى المقاومة في البيان الوزاري