الشرق الأوسط:في الغرفة 514

جريدة النهار

في الغرفة 514 إسرائيليّون وإسرائيليون ويهود ويهود فقط. الفلسطينيّون غير موجودين حتى لو كانوا مادة الموضوع. ليسوا اللاعبين بل ليسوا الفاعلين. والفارق كبير بل نوعي. مادة الموضوع شيء والموضوع شيء آخر.

  “لماذا تهتمّين بعدالتهم؟

– لا أهتم بعدالتهم بل بعدالتنا”.

ربما يكون هذا الحوار بين الضابط الإسرائيلي والمجنّدة في المخابرات العسكرية الإسرائيلية التي تحقّق معه بتهمة إساءة جنوده لمعاملة عائلة عربية على أحد حواجز الضفة الغربية… ربما يكون هو الجملة الأهم التي أرادت وزارة الثقافة الإسرائيليّة تمويل هذا الفيلم السينمائي لأجل إيصال “رسالتها” إلى الخارج والداخل.
” الغرفة 514″ هوإسم هذا الفيلم الشيِّق فعلاً من حيث قوة النص الحواري وأداء الممثّلين وخصوصاً الممثّلة (آزيا نايفلد) التي تلعب دور المحقِّقة العسكرية.
ليس سهلاً إخراج فيلم قادر على التشويق والمفاجأة يدور كله تقريباً في ومن غرفة صغيرة جدا ما عدا بضعة مشاهد قليلة في أوتوبيس مزدحم بالركاب. المخرج شارون بار – زيف هو في الأساس مخرج مسرحي وكان هذا عملَه السينمائيَّ الأول عام 2011 ونال عليه لاحقا جائزة “مهرجان كان” لأفضل فيلم أجنبي. أتيحت لي فرصة حضوره في باريس مؤخّراً.
القصة تدور حول المحقّقة العسكرية (المقبلة على نهاية خدمتها العسكرية) التي تُكلّف بمعرفة حقيقة القمع والإهانة اللتين تعرّضت لهما العائلة الفلسطينيّة فتصطدم – أي المحقّقة – في البداية لا فقط بنصائح زملائها بعدم المتابعة في موضوع سياسي كهذا بل أيضا باستخفاف الجندي المتهم بكل الموضوع وباستنكار رئيس وحدته (المسماة “الذئاب”) ومن ثم الجنرال المسؤول الأعلى عن الفرقة… لتعريض الجيش الإسرائيلي إلى هذا التشكيك الأخلاقي والعنصري. تصر هي على المتابعة وتنجح في تفكيك حلقات مقاومتها في الهيكلية المؤسّساتية العسكرية واحدةً واحدة. وقد لفت نظري مقال نقدي حول الفيلم يقول أن جزءأ أساسيا من نجاحها في الوصول إلى حقيقة التنكيل الذي حصل هو في كونها استخدمت وسائل تأثير بسيكولوجي تلجأ إليها عادة “الموساد” مما يوصل إلى انهيار المتهم.
لكن أحد عناصر جاذبية الفيلم الأقوى هو أن المحققة “آنّا” (المهاجرة من عائلة يهودية روسيّة) هي على المستوى الإنساني والعائلي والاقتصادي كائنٌ يواجه مشاكله الشخصية الكثيرة التي تجعله ضعيفا على هذا المستوى. ففي حين يدور التحقيق بتصميم وذكاء منها نكتشف أنها امرأة على علاقة غرامية بزميل عسكري لها تمارس الجنس معه في غرفة العمل الضيقة وهناك مشهد جنسي مثير تؤديّه معه إلى أن يأتي يوم يطالبها فيه – وأيضا في مركز العمل – بأن تُنكِر أمام الشابة الأخرى التي ستصبح زوجته، والتي تقتحم مكان العمل هذا، وجود أي علاقة بينهما. هكذا هناك امرأة في موقع قوة إدانة سلوك مؤسسة الجيش الإسرائيلي الجبارة وفي الوقت نفسه هي على المستوى الشخصي كائنٌ هش ووحيد وتعيش مع أمها العجوز المتطلّبة لأشياء صغيرة تكشف الطبقة الاجتماعية المتواضعة التي تنتمي اليها. لا نرى الأم وإنما نسمع أجوبة ابنتها المتبرِّمة على اتصالاتها الهاتفية المتكرّرة وهذا يضفي أيضا طابعا كوميديّاً على المشهد بسبب إلحاح الأم على الطلبات المنزلية فيما ابنتها في ذروة الانشغال بالتحقيق العسكري.
بعد العرض دار نقاش بين الجمهور الفرنسي الحاضر في الصالة (إسكوريال) حول الفيلم فنّياً وسياسيّاً بتنظيم من مؤسّسة سينمائية فرنسية (ACID). الذين ناقشوا، رجالا ونساءً، أظهروا عموما اهتماماً بالمضمون الفنّي لا السياسي للفيلم خصوصاً بعدما أخبرتنا السيدة الفرنسية التي تولّت إدارة النقاش أن كل كلفة الفيلم بلغت ماية ألف دولار فقط.
لكن بالنسبة لمشاهد عربي من المستحيل تلافي السؤال الصعب أمام فيلم ناجح من هذا النوع:
هل يخدم الفيلم بالنتيجة البروباغندا الإسرائيليّة أم يسلّط الضوء على جو التحريض العنصري داخل جيش الاحتلال الإسرائيلي مما يعطيه مضموناً نقدياً ضد الواقع الإسرائيلي؟
من هنا أهمية الحوار المنقول عن الفيلم الذي افتتحنا به هذه المقالة:
يستنكر الضابط الإسرائيلي الاهتمام بـ”عدالتهم” أي بالعرب. فإذا جواب المحقِّقة حاسمٌ بأنها “عدالتنا” أي “العدالة الإسرائيليّة”. إذن الوظيفة الإسرائيليّة للعمل إيجابية لصورة إسرائيل رغم المضمون النقدي الأكيد للموضوع الذي يدور حوله. لهذا هو عمل ليس خارج الأيديولوجيا الرسمية الإسرائيلية بل في صلبها ولكنه عملٌ قويٌ ومبدع ونقدي… وعلينا دائما متابعة هذه السينما المتنوعة والمتعدّدة.

السابق
سوزان نجم الدين تعلن خطوبتها على رجل اعمال خليجي
التالي
المرأة السورية في السجون