الجنرال جعفري: سنقاوم

لم يعرف الإيرانيون مّن دعا فرقة الاوركسترا السمفونية الأميركية. الخبر ظهر في احدى الصحف دون مصدر ولا تفاصيل. الأرجح أنّ الهدف كان رصد ردود الفعل على مثل هذه الدعوة، التي تعني فتح الباب ولو قليلاً باتجاه الانفتاح والحوار الثقافي مع الأميركيين. الإيرانيون عرفوا فوراً مَن يعارض مثل هذه الزيارة. العميد مسعود جزائري مساعد “هيئة الأركان في القوّات المسلحة لشؤون التعبئة والثقافة الدفاعية”، جمع مدراء الشؤون الثقافية للقوات المسلحة، ليقول لهم: “ليس في الجمهورية الإسلامية في إيران مَن ينتظر فرقة الاوركسترا الأميركية”.. وأكمل العميد جزائري هذا الإعلان بتشديده على “أنّ المجتمع الإيراني سيواجه مثل هذه التحرّكات الديبلوماسية – الثقافية الأميركية التي تنظم بالتنسيق مع وزارة الخارجية الأميركية واحدى غرف الفكر والمؤسسات البحوثية”.

العميد جزائري نافس بهذا التصريح زملائه في “الحرس الثوري”، لا بل سبقهم إلى الرفض من باب موقعه المتشدّد جدّاً. المعروف أنّ للعميد جزائري تصريحات غريبة لا تتناسب أحياناً مع رتبته العسكرية. فقد ذهب مرّة في إعلان عدائه للولايات المتحدة الأميركية إلى درجة “استعداد إيران لدعم كوريا الشمالية ضدّ أي هجوم أميركي”. وفي مرّة سابقة “هدّد إسرائيل بالصواريخ التي تطالها وبإلحاق الهزيمة بالولايات المتحدة الأميركية، وتابع انّ حديث الرئيس باراك اوباما عن الخيار العسكري ضدّ إيران يثير السخرية”.. هذه التصريحات رغم غرابتها، هي “رسائل” متشدّدة من المرشد آية الله علي خامنئي، لأنّه من المتداول في طهران العميقة، أنّ صداقة قوية وقديمة جدّاً تربط جزائري بالمرشد خامنئي، لذلك فإنّ تصريحات جزائري ليست دائماً بلا صدى.

لا شك أنّ “الحرب” بين المحافظين المتشدّدين من جهة والوسطيين المعتدلين إضافة إلى الإصلاحيين من جهة اخرى متعددة “الجبهات”، بعضها حقيقي والبعض الآخر ليس أكثر من محاولة لتغطية أهداف أهم بواسطة “الغبار” الذي تثيره. من ذلك أنّ التشديد على الصعوبات وحتى بوادر الفشل في محادثات فيينا النووية (رغم أنّ كل شيء داخل قاعة المفاوضات كان يسير إيجابياً والدليل إعلان الاتفاق حول اطار ومدّة المفاوضات القادمة)، لم يكن إلاّ محاولة لإعلان “اليأس” من الوصول إلى طريق مسدود يودي بكل طموحات “الروحانيين”.

هذا الفشل لم يوقف الحرب بالعكس جرى فتح جبهة أخرى، تقلق الإيرانيين منذ زمن طويل، وهي “الحرب الناعمة”، أي “حرب الظلال” أو المخابرات التي تقع فيها الاغتيالات والعمليات الخارجية السرّية التي لا يتبنّاها أحد من جهة، ومن جهة أخرى اشتعال بعض البؤر المتوترة أصلاً على الحدود الإيرانية مع دول الجوار التي تمتزج فيها المشاعر القومية بالحرمان والإهمال وتدخّل قوى خارجية من مصلحتها إشغال النظام الإيراني على كل الجبهات لإضعافه ورفع منسوب الضغوط عليه.

المرشد آية الله علي خامنئي خاطب في الرسالة التي وجّهها إلى مؤتمر “رابطة اتحادات الطلاب الإسلاميين” الذي عُقد في مشهد في 12 شباط الجاري الطلاب: “إنّكم الضباط الشباب في ساحة الحرب الناعمة”. العميد جزائري وضع “الضباط من الطلاب” في قلب “الحرب” فذهب إلى التحذير من “الحرب الناعمة التي تُشنّ على إيران”.

لا شك أنّ إيران تتعرّض مؤخراً لسلسلة من العمليات بعضها خطير لأنّه يقع عند “بواباتها الحدودية والاقليمية”، في وقت دقيق جداً، لأنّه إذا كان خامنئي يتحدّث بإعجاب عن “الصحوة الإسلامية” التي تجتاح الدول العربية، فإنّه لا يريد أن تصل إليه تحت أي مسمى كان. ولذلك فإنّ ردّ السلطات الإيرانية أقوى بكثير من نتائج العمليات نفسها، والنظام الإيراني يريد تحييد أي محاولة أو حتى التفكير بتفجير “صحوة إسلامية أو قومية”. من ذلك:

* انّ خطف خمسة جنود إيرانيين على الحدود مع باكستان حيث يمتزج الطرح القومي (البلوش) بالمذهبي (السنّي)، أدّى إلى تهديد إيراني رسمي بإرسال قوات إيرانية إلى داخل الأراضي الباكستانية لاستعادة الجنود الخمسة، مما دفع السلطات الباكستانية إلى تحذير إيران من “خطر مثل هذه المغامرة”.

* أعدمت السلطات الإيرانية ثلاثة عرب من الأحواز بينهم الشاعر هاشم شعباني بعد تسع سنوات على سجنه. وذلك بعد وقوع تظاهرات في المنطقة ضدّ السلطة تطالب بالإصلاحات.

من الجلي، أنّ هدف هذه السياسة إحراج الرئيس حسن روحاني أمام قاعدته الشعبية، والتشديد على أنّ شيئاً لم يتغيّر وأنّه غير قادر على تنفيذ وعوده ومنها إنصاف الأقليات العرقية والمذهبية التي اقترعت له بنسب غير مسبوقة على أمل حلول تغييرات عميقة وحقيقية تجاههم.

لكن حتى هذا الهدف، يبدو عادياً أمام الهدف الأهم في الحرب المفتوحة بين الجبهتين “الروحانية” والمتشدّدين الذين يعملون على عدم زجّ المرشد خامنئي بقراراتهم حتى يبقى “الحَكمْ” وليس طرفاً، فهو تقليص نفوذ “الحرس الثوري” في الدولة وتخفيف “قبضتهم” عن “مفاصل السلطة”. ويبدو واضحاً أنّ قيادات “الحرس” مدركة لأبعاد “الحرب” التي يشنّها “الروحانيون” ضدّها. لذلك أعلن الجنرال محمد علي جعفري قائد “الحرس الثوري” في 19 شباط فبراير الجاري: “تجري محاولات لتغيير ماهية المؤسسات الثورية في البلاد وشنّ هجمات يتعرّض لها الحرس، وهو سيقاوم (أي الحرس) كل هذه الهجمات”.

الاستعداد والمقاومة في المرحلة “النجادية” لم يكن وارداً، فالحديث عن تعرّض الحرس لهجوم داخلي كان مستحيلاً لأنّ “الحرس” كان الدولة. لو لم يكن الجنرال محمد علي جعفري يشعر بأنّ “نفوذه مع باقي الجنرالات يتراجع”، وأنه قد يخسر “الحرب”، لما هدّد بأنّه “سيقاوم”. مأزق الجنرال جعفري ومَن معه من جنرالات “الحرس” أنّ “الجنرال” الوقت ضدّهم.. و”سيفه” طويل.

السابق
نصائح لدوام الحب بين الزوجين
التالي
قتيل وعدد من الجرحى في حادث سير مروع في آخر انفاق خلدة