عن قرية القطراني وحزب الله والتغيير الديمغرافي بجزين

قرية القطراني
في الحروب الأهلية المتناسلة، التي تخوضها الأطراف اللبنانية، يلاحظ حركة صامتة تتنقل على صفحات أجندة الكبار، هي معركة الملكيات العقارية. فالأراضي كانت وما زالت محور هدف الأطراف التي شكلت اضلاع الحروب الأهلية منذ 1840 وحتى الآن. والأرض التي لم يستطع طرف معين السيطرة عليها بالقوة، يحاول الحصول عليها قانونياً خلال فترات السلام المتقطعة. نروي هنا قصّة قرية أنشأها حزب الله في جزين "من العدم".

في الحروب الأهلية المتناسلة، التي تخوضها الأطراف اللبنانية، يلاحظ حركة صامتة تتنقل على صفحات أجندة الكبار، هي معركة الملكيات العقارية. فالأراضي كانت وما زالت محور هدف الأطراف التي شكلت اضلاع الحروب الأهلية منذ 1840 وحتى الآن. والأرض التي لم يستطع طرف معين السيطرة عليها بالقوة، يحاول الحصول عليها قانونياً خلال فترات السلام المتقطعة.

كلّ طرف يحاول حشد المبررات والأسباب التي دعته للقيام بالخطوات اللازمة، حسب رأيه، للحصول على أهدافه.

على الطريق التي تصل النبطية بجزين وعند تقاطع الطرق ما بين البقاع والجبل والجنوب، تظهر بعض التجمعات السكنية الجديدة، وتبدو غريبة عن محيطها البنائي. إذ ترتفع إلى أربع طبقات، مبنية وفق هندسة موحدة، مجموعة أبنية مأهولة “محدوفة” إلى يمين الطريق، إذا كانت قادماً من جزين، بعد أن تمر ببنايات متفرقة لم تسكن بعد طُليت بالألوان نفسها وتحمل السمات نفسها. انها القطراني. القرية الجديدة التي بنيت على أراضٍ كان يملكها اثنان من آل حلو وبيعت إلى شركة تاجكو المعروفة بمشاريعها الاقتصادية المختلفة وخصوصاً في القارة الافريقية، والمملوكة لآل تاج الدين المعروفين.

من يقترب من المكان ويستخدم مخيلته، يلاحظ التناقض بين ساكني هذه البنايات وأهالي البيوت القروية المتناثرة الذين يستخدمون تعبير “الغرباء الذين لايتعاطون مع أحد” عن الجيران الجدد.

ساكنو البنايات هم حصرا من أبناء الطائفة الشيعية ومن أصول جنوبية وبقاعية. بعضهم سكن بيروت وانتقل منها إلى أعالي جزين. إنهم “غرباء” بالمعنى اللبناني المستخدم عند جيرانهم المسيحيين في جزين الذين لا يحبون الاختلاط مع آخرين، ويدفعون إلى مزيد من العراقيل في قراهم ضد سكن الآخرين.

ساكنو القطراني قليلاً ما يثيرون الضجيج. يبدون وكأنهم تسلموا أوامر الالتزام بالصمت، بطريقة تظهرهم على أنهم مجاملون وصامتون في سياسة يصعب تقويضها.

تتجول بين المباني، تلاحظ ندرة وجود الرجال، وفي الفرن الذي زرته، تخبرني المرأة التي التقيتها أن زوجها مسافر، وتسكن مع أولادها، ولا يختلف وضعها عن وضع امرأة أخرى تعمل في أحد المحلات.

تلفتني مكتبة بعنوان “فدك”. لم أفهم المعنى، على بابها كانت تقف سيدة تلبس التشادور الإيراني، سألتها عن معنى “فدك” أدارت وجهها وجسدها وأنزلت باب الحديد بطريقة عسكرية.

أبعد من الفرن بقليل أرى “مدرسة المهدي” وقد فتحت أبوابها واصطف الطلاب في صفوف منتظمة استعداداً لدخول الصفوف، وقد أحاطت بهم وجوه لأشخاص تلبس نفس الزي الذي تلبسه سيدة مكتبة “فدك”.

مختار القرية (ك.ف.) المنتخب من أهاليها، ليس على السمع. ثلاثة أشهر أحاول الاتصال به، أزور منزله، أهاتفه بدون جدوى. “إنه في المستشفى”، “في بيروت”، “خرج الآن”، “لن يعود الليلة”. يتهرب، يقول البعض إنّه من أعطى الأوراق القانونية لإتمام عملية البيع. صدفة أجاب على الهاتف، صعق عندما علم أني المتصل، صمت لحظة وأجاب: “لا ألتقي بالإعلاميين ولا أجيب على اسئلتهم، حتى قبل أن أسمعها”. كان يسد الطريق أمامي في محاولة للتملص من المسؤولية أو ربما خوفاً من أن يتعرض لمضايقات من أصحابه المسيحيين أو من مؤيدي حزب الله.

المشتري اشترى عند كاتب العدل (م.ك)، ولم يدفع الثمن كاملاً. شركة “تاجكو” بدأت البناء ولم تدفع كامل الثمن.

محامي البائعين اضطر للاتصال بحزب الله حتى يحصل على ما تبقى من ثمن الأرض.

إذا كانت القطراني قاعدة لحزب الله، كما يقول معارضوه، أو هي تجمع سكني أهلي، كما يقول مناصروه، فإن موقعها مهم ويشكل نقطةً ذات أهمية استراتيجية في أي نزاعٍ داخلي كان أو مع الاسرائيليين.

لكن يبدو أن موضوع نقل الملكية في لبنان موضوع حساس في بلد صغير متنوع حيث أجبرت الحرب الأهلية الناس على النزوح من منطقة إلى أخرى وعلى طريقة التطهير الطائفي.

وإلى جانب ذلك هناك الجغرافيا الانسانية. إنها الديمغرافيا، فالمجموعة الشيعية والمحموعة السنية تشهدان صعوداً ديموغرافياً مهماً. تزداد نسبة الولادات لديهما، فيما تنخفض في المجتمع المسيحي، الذي شبابه يرغب بالهجرة الدائمة أو الانتقال إلى بيروت. في حين أن الشيعة والسنّة، حتى لو هاجروا، يعود القسم الأكبر منهم ليتقاعد في لبنان بعد أن يكون قد بنى لنفسه بيوتاً فخمة في القرى أو في قرى جديدة تنشأ على أنقاض أخرى.

بعض السياسيين المسيحيين، كبطرس حرب مثلاً، طالب بوقف عمليات البيع قانونياً مع علمه الأكيد أن ذلك يتعارض مع الدستور. وبلديات المنطقة تعرقل عمليات البيع والشراء، لكنّ الأطراف المتعاقدة تجد طرقاً للإلتفاف، والكنيسة التي ترعى عملية منع البيع تحاول الاستثمار في مشاريع سكنية، لكن هذه المشاريع تفتقر لخطط تنموية متكاملة تؤمن العيش الكريم للمسيحيين.

السابق
عون زار الراعي وأيّد «وثيقة بكركي»
التالي
الثرثرة النسائية وقد خصّبتها السوشال ميديا