عرسال: تكرار عين الرمانة

قيادة حزب الله باتت أمام خيارين: الإقرار الكامل بفشل التدخل العسكري في سورية عبر نسف الذريعة التي شكلت مظلة هذا التدخل مع استمرار تدفق الانتحاريين. وبالتالي هذا يستوجب إعادة تموضع وإعادة رسم معالم مرحلة جديدة تنسف ادبيات المرحلة السابقة كلّها. أو الهروب الى الامام بمزيد من التورّط باشعال الفتنة السنية الشيعية، باستنساخ تجربة عبرا، بالهجوم على عرسال تحت مبرّر "استئصال وكر الانتحاريين".

لا شك ان الورطة الكبيرة التي وضع حزب الله نفسه وجمهوره داخلها لم تكن وفق حسابات البيدر. ما فرض عليه هذا الخط الانحداري المكلف جدا. انحدار منذ لحظة انزلق بمشاركته المعلنة في القتال الى جانب النظام السوري، وفي حسابه ان “الانتصار” الساحق في القصير كفيل بالقضاء النهائي على “المجموعات المسلحة “. وظنّ يومها أنّ قدرة النظام بعد ذلك على استعادة المبادرة الميدانية وانهاء التمرد لن تبعد عن “الثلثاء الآتي”.

هذه الحسابات الخاطئة جعلت الحزب يدفع الاثمان الغالية من تاريخه وحاضره.. وطبعا من مستقبله. لأنّ الخطر الأكبر يكمن في ما انتهجه الحزب بعدمرحلة القصير من سياسة لحس المبرد، بينما استمرّ في البحث عن الانتصار الموعود، فلم يزيده ذلك الا غرقا .

صحيح انّه في الفترة الأخيرة شهدنا تراجعا ملحوظا في اعداد شهداء الواجب الجهادي العائدين من الميادين. ما اعتبر مؤشرا حقيقيا سليما ينبئ بخطوة تراجعية غير معلنة، من خلال التخفيف من مشاركته العملانية المباشرة في المعارك. وكاتب هذه السطور كان استبشر خيرا بذلك على امل ان تتتابع بخطوات اكثر جرأة من اجل تفادي ما هو أسوأ.. الى ان بدأت موجات الانتحاريين تجتاح مناطق نفوذ حزب الله.

وفي نظرة سريعة على شريط العمليات الاجرامية التي استهدفت الأبرياء في ضاحية بيروت الجنوبية، التي لم تكن تستهدف أيّا من المراكز الحزبية او القيادية، يتبيّن ان الغاية المرجوة منها هي خلق حالة من الرعب في صفوف جماهير الحزب وبيئته، على أمل أن تتحوّل بعد ذلك الى حالة ضاغطة على قيادته. وقد نجحت هذه العمليات الاجرامية من خلق جو داخلي يفرض الى حد كبير وضع هذه القيادة امام خيارين احلاهما مرّ بالنسبة اليها : إما الإقرار الكامل بفشل التدخل العسكري في سورية عبر نسف الذريعة التي شكلت مظلة هذا التدخل مع استمرار تدفق الانتحاريين. وبالتالي هذا يستوجب إعادة تموضع وإعادة رسم معالم مرحلة جديدة تنسف ادبيات المرحلة السابقة كلّها. وهذا أيضا يحتاج حتما الى شجاعة فوق عادية لم تعتد قيادة الحزب ولا محازبيها على مثيلها، لأنّها اقرب الى “تجرّع كأس من السمّ”. وإما تفرض على قيادة الحزب خطوة ظاهرها فيها الشجاعة وباطنها الفتنة العمياء، وذلك من خلال الهروب الى الامام بمزيد من التورّط باشعال الفتنة السنية الشيعية. يتمّ ذلك عبر خطوات عسكرية بالهجوم على مناطق ذات طابع سنّي كمحاولة جديدة لاستنساخ تجربة عبرا. لكن هذه المرة عبر استهداف منطقة عرسال تحت مبرر “استئصال وكر الانتحاريين”. مع إغفال أنّ عرسال، بامتداداتها الجيوسياسية، وفي ظل الفراغ السياسي الحاصل في البلاد، ستتحوّل حتما الى عين الرمانة 2. وامام هذا الواقع لا يسعنا الا التضرع الى الله من اجل منح قيادة حزب الله الشجاعة الكافية والهامها القرار الحكيم … حمى الله لبنان .

السابق
رؤية في الدين والإبداع والحرية (1)
التالي
اجراءات احترازية في قصر العدل بعد اتصال عن وجود قنبلة