الإنسحاب من سوريا

الأولوية لمكافحة الإرهاب، وحماية المؤسسة العسكريّة، والسلم الأهلي. الدول المتابعة والمهتمّة تملك تصوّراً يبدأ بالإنسحاب من سوريا، يشمل ذلك كلّ المتورطين، سواء تحت عباءة النظام، أو عباءة الثورة، وتأليف حكومة جامعة، واحترام الإستحقاقات الدستوريّة.

هناك تعاون فاتيكاني – أميركي – روسي – فرنسي – أوروبي حول الملف اللبناني تحديداً. البداية كانت مع إيران، وأثير الموضوع مع وزير الخارجية محمد جواد ظريف، وكان جوابه واضحاً “إنسحاب الجميع من دون استثناء”.

دعوة إيران الى جنيف – 2، ثم سحب هذه الدعوة، عَقّد الأمور. أقفلت طهران أذنيها أمام أيّ حديث يتعلّق بالملف السوري، وشعرت بأنّ فخّاً قد نُصب لها “إبعادها تمهيداً لابتزازها”. خضعت للإبعاد، ورفضت الابتزاز، كذلك رفضت أن يفاتحها أحد بالملف السوري خلال انعقاد المؤتمر.

حاول الروسي، وجاءه الجواب فوراً: “نحن مَن يطالب بترك سوريا وشأنها، وإذا كان من انسحاب فلتنسحب “داعش”، و”جبهة النصرة”، و”القاعدة”، ودوَل البترودولار، وجميع المتورطين مباشرة، أو بطرق ملتوية، قبل مطالبة “حزب الله” بالإنسحاب؟!”.

 

وصل موفد الرئيس الفرنسي إيمانويل بون الى بيروت، وتحرّك في كل الإتجاهات، إلتقى الجميع تقريباً، واطّلع على كثير من الخفايا والخبايا، سواء ما يتعلّق بالأمن والسياسة والإقتصاد والنزوح، ومشكلة الحكومة وصعوبة تأليفها. ما سمعه وشاهده كان مناقضاً لِما سمعه رئيسه فرنسوا هولاند من الرياض، سمع حرصاً من المملكة على أمن لبنان واستقراره، لكنّ الوقائع على الأرض مختلفة: سيارات مفخخة، أحزمة ناسفة، تهديدات من كل حدب وصوب، فيما منسوب القلق يرتفع عند اللبنانيين، والعوائق الخارجية تحول دون تأليف الحكومة.

رفع بون تقريره الى هولاند قبل أن يلتقي الأخير البابا فرنسيس في الفاتيكان. وتحدثت تقارير واردة عن المحادثات تناوَلت الشأن اللبناني من زوايا أربع: الإرهاب، الحكومة، الإستحقاقات الدستورية، النازحون واللاجئون.

حول الإرهاب كان تفاهُم على تصوّر يدخل في إطار خطة شاملة يُصار الى تطبيقها بدءاً من سوريا، ويشمل خطوات عدّة أبرزها: العمل على انسحاب جميع الأطراف اللبنانية المتورطة، وهذا لا بدّ منه، لأنه سيبنى عليه سواء عند تأليف الحكومة، أو عند البَتّ فعليّاً بمصير الإستحقاقات الدستوريّة التي بدأت تتحوّل داهمة.

وحول الملف الحكومي، فإنّ مَنع طهران من المشاركة في جنيف – 2 عَقّد الموقف، وتحوّل الضوء الأخضر الإقليمى للتأليف الى أصفر، ثم جاء كلام وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل العالي النبرة في الجلسة الإفتتاحية لـ جنيف ـ 2، ليزيد الطين بلّة.

 

تحرّكت الديبلوماسيّة الأميركيّة على عجل، وسرق السفير الاميركي ديفيد هيل الأضواء، من بيروت، الى باريس، الى الرياض تحت شعار “تسييل المساعدات في اتجاه لبنان سواء ما يتعلّق منها بدعم الجيش، أو النازحين السوريّين؟!”.

 

الشعار مُغر، لكنه غير مُقنع لأنّ الجميع يعرف أن مستجداً قد طرأ على الأولويات في لبنان هو الإرهاب. وبالتالي، لا بدّ من معالجته، ووَضع حدّ له، وأيّ اهتمام بالأولويات الأخرى سيكون مجرّد استثمار غير مُجدٍ في الوقت الضائع. ولذلك، فإنّ تحرّك هيل جاء على وَقع خطة يسعى اليها المجتمع الدولي من خلال جنيف – 2، خصوصاً عندما يتطرّق المفاوضون مباشرة الى موضوع الإرهاب.

وتستوي هذه الخطة على قوائم أربعة:

– إنسحاب جميع المتورطين من الداخل السوري، والعمل على وضع سياسة “النأي بالنفس” موضع التطبيق.

– دعم الجيش مخابراتيّاً ومعلوماتيّاً ولوجستيّاً في معركته ضدّ الإرهاب، وضد خلاياه المعشّشة والمنتشرة في الداخل اللبناني.

– التشاور الجدي مع كلّ من أنقرة والرياض وطهران وسائر العواصم الإقليميّة والدوليّة المعنية بالداخل السوري، أو المتورطة بنحو أو بآخر، ومناشدتها التعاون الجدّي بهدف وَقف المسلسل الإرهابي الذي يستهدف وحدة لبنان ومسيرة السلم الأهلي.

– المساعدة على تأليف حكومة متوازنة يمكن التعاطي معها للمساعدة على تهيئة الظروف المؤاتية لإجراء الإنتخابات الرئاسيّة في موعدها الدستوري، لتلافي الفراغ.

وتراقب البعثات الديبلوماسيّة باهتمام ما يقوم به “حزب الله” في الضاحية الجنوبية من تدابير وإجراءات احترازيّة لمواجهة مسلسل السيارات المفخخة، والأحزمة الناسفة، ولسان حالها يقول: “إنه يحاول أن يداوي بتر الأطراف بالشاش والدواء الأحمر، فيما المطلوب إقفال الأبواب والنوافذ التي تأتي منها الرياح غير المؤاتية، وهذا لا يمكن أن يتمّ إلّا بعد أن ينسحب من الرمال السوريّة المتحركة… والقرار على الطريق بُعيد انتهاء أعمال جنيف 2؟!”.

السابق
حزب الله يقرأ باهتمام شديد التصعيد الكلامي الإسرائيلي
التالي
قانصوه: نحصد ما زرعناها وهذه نتيجة سياسة النأي بالنفس