عدالة… ونزول عن الشجر؟

شكل الاعلان الدراماتيكي للرئيس سعد الحريري عن استعداده للمشاركة في حكومة ائتلافية مع “حزب الله” فور انتهاء فريق الادعاء في المحكمة الخاصة بلبنان من عرضه لوقائع جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري نموذجاً نادراً في توقيته للمواقف غير الشعبوية التي قلما تعرفها الحياة السياسية في لبنان. واذا كان الرئيس الحريري وحده يملك سر التوقيت المباغت لاطلاق هذا الموقف فان الانطباعات الاولية حياله تحمل على الاعتقاد بأن معظم ما اثاره من تداعيات ذهب في اتجاهات تقليدية موصولة بالملف الحكومي وأهمل العامل الاهم الذي يرتبط ببدء “عصر” المحاكمة.

هذه الانطلاقة للمحكمة شكلت في تفكير جمهور ١٤ آذار وتيار المستقبل مفهوماً يجمع الى العدالة عامل توازن القوى. ولا غرابة في ذلك اطلاقاً ما دامت جلسات المحاكمة الاولى كشفت عمق الانفعالات التي تسود صفوف قوى ١٤ آذار امام حدث يفترض ان يشكل ردعاً لحرب الاغتيالات وتعويماً قوياً لقدرة القوى الحاملة لواء المحكمة منذ عام ٢٠٠٥ على اعادة تصويب ميزان قوى مختل لغير مصلحتها.
ومع انه من غير الجائز بالمعايير القانونية الصارمة الاحتكام الى القرار الاتهامي في استخلاص متسرع للأحكام فان المكابر وحده لا يقر بواقع ان جمهور المستقبل وقوى ١٤ آذار كان ينظر الى العرض المسهب للادعاء كأنه لفظ للاحكام في مجمل جرائم الاغتيالات وان اللحظة التي انتظرها تسع سنين صارت واقعاً حقيقياً.
تبعاً لذلك لا مغالاة اذا نشأ تمزق بين هذه الانفعالات ومقتضيات الامر الواقع الجاري على الارض باكلاف دموية يومية على غرار تزامن جلسات المحكمة مع تفجير الهرمل ومجزرة عرسال. لم يكن اطلاق مسار تشكيل حكومة “جامعة” مفاجئاً بطبيعة الحال. ولكن المفارقة ان حكومة كهذه صارت ولادتها موقوفة على سطر واحد لعله يختصر كل المناخ الاقليمي قبل الداخلي في امكان تجنب تحول لبنان سوريا الثانية بمعنى الحريق الكبير من عدمه. واذا كان فريق ١٤ آذار يستقطب الانظار اليوم في احتدام الجدل حول مقتضيات مشروع تسوية قهرية فان المستلزمات المكلفة لدى فريق ٨ آذار لن تقل قهراً وقسراً اذا اضطر الى مزيد من التنازلات خصوصاً في شان التخلي عن ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة وانطلاق مسار الانسحاب من سوريا.
شيء كثير يرتسم عبر هذه المعادلة في الاعلان المباغت للرئيس الحريري ولكن مع اضافة تنطوي على رمزية كبيرة في اسقاطه القاعدة القضائية الاكثر رسوخاً في فضاء العدالة على مقاييس السياسة، وهي تسويغ الشراكة الحكومية مع فريق ينتمي اليه المتهمون باعتبارهم أبرياء حتى ثبوت الادانة. ليس صحيحا اذن انها استعادة معدلة لمعادلة فاشلة سميت “السين سين”. فهل سيبدأ زمن النزول عن الشجر العالي مع زمن العدالة؟

السابق
باسيل والزعل
التالي
لا اتفاق على الأسماء والحقائب