أيّ ألمٍ بك يا فاطمة النشّار؟

هذه البيئة تعجّ بالمآسي وهي الغالبية التي لا نعرف عنها شيء. هي تلك التي تزدحم بالأوجاع والظلم والدونية والتبعية والأطفال المستغلّين والتحرّش الجنسي والاغتصاب. كل تلك الأمور التي نحسب أنّها تصلح حكايا للأفلام والروايات ولا نقترب من الواقع لنراها. نحن قرأنا عن حادثة واحدة كنتِ أنتِ الضحية فيها ولم نعرف ماذا بعد. قومي وأخبرينا. تكلّمي. ربما البوح يجدي. أيّ ألمٍ بكِ يا فاطمة النشّار؟

فاطمة النشار قاسم (27 عاماً)، حامل في شهرها الثالث. دخلت إحدى المستشفيات في مدينة طرابلس يوم الجمعة في العاشر من كانون الثاني 2014 بعدما تعرّضت للضرب من قبل زوجها وأخيه ووالدته. السبب في الاعتداء “فاتورة مياه”. في تفاصيل الحادث بحسب ما تداولت الصحف، أضاعت فاطمة فاتورة المياه فكان عقابها الاعتداء أن يتسبب بفقدان الجنين لامرأة هي أمّ لثلاثة أطفال.
ت
عليق والد فاطمة عن الموضوع إلى إحدى الصحف المحليّة يظهر أنّ البؤس المادي هو ما لم يمكّن الأب من الدفاع عن ابنته. عائلة معدومة الحال لا يمكنها أن تحتضن فتاة مطلّقة وأولادها الثلاثة. وإن اتّجهنا إلى داخل المجتمع اللبناني – السفلي تحديداً – حيث الفقر سيّد الموقف، لوجدنا آلاف النساء اللواتي يتشاركن ضعف الحال مع فاطمة.

لنتخيّل حكاية ونسمّي البطلة فاطمة والتالي مجرّد تكهّنات. فاطمة فتاة وُلدت لعائلة فقيرة في مدينة طرابلس، تكبّد ذووها الأمرّين لتعليم الأولاد ولو بشكل متواضع. ربما أرسلوا أحد الأولاد ليعمل في ورشة ميكانيك نظراً لفقر الحال. لم تتمكّن من متابعة الدراسة الثانوية وجاء العريس المنتظر. أفضل ما يحدث للفتيات في العائلات الفقيرة في مجتمعاتنا هو الزواج فهنّ بذلك يعفين الأهل من النفقات.

لنقل إنّها تزوّجت في الثامنة عشرة من عمرها، وأنجبت حتى سنّ السابعة والعشرين ثلاثة أطفال. خلال هذه السنوات، لم تعش فاطمة لا مراهقتها ولا شبابها ولا كانت يوماً كالنساء اللواتي تراهنّ في التلفاز. كانت تتعرّض للضرب كثيراً وللمضاجعة الّتي لم تستمتع بها إن وضعنا في هذا التقدير قسوة زوجها وتربيتها الجنسية الضحلة.

ما الذنب الذي ارتكبته فاطمة؟ لا شيء. الحياة لم تتح لهذه المرأة التي لم تعرف شيئاً من هذه الحياة أن تفهم أنّ لنا نحن كبشر ونساء خيارات. لا يتعلّق الموضوع بحقوق المرأة أو المطالبة بالمساواة هنا. فالهمجية التي شهدتها فاطمة كانت من قبل امرأة أيضاً، أمّ الزوج التي شاركته في الضرب.

الموضوع هو هذه البيئة المغلقة التي لا يعرف أبناؤها شيء على الرغم من العولمة التي أصابت العالم. هذه الشريحة التي يغرق الشبّان منها في المخدرات والحركات الأصولية والسرقة والعنف وتصبح الفتيات فيها زوجات عرضة للعنف.

هذه البيئة تعجّ بالمآسي وهي الغالبية التي لا نعرف عنها شيء. هي تلك التي تزدحم بالأوجاع والظلم والدونية والتبعية والأطفال المستغلّين والتحرّش الجنسي والاغتصاب. كل تلك الأمور التي نحسب أنّها تصلح حكايا للأفلام والروايات ولا نقترب من الواقع لنراها. نحن قرأنا عن حادثة واحدة كنتِ أنتِ الضحية فيها ولم نعرف ماذا بعد. قومي وأخبرينا. تكلّمي. ربما البوح يجدي. أيّ ألمٍ بكِ يا فاطمة؟

السابق
عوارض التفجيرات: سكان الضاحية محبوسون في منازلهم
التالي
مصادر بري لـ ‘القبس’: نحن في منتصف الطريق إلى تشكيل الحكومة