لأجل 100 عام سلام في المنطقة ولكن

كان من المقرر أن يكون موضوع هذا المقال – وعنوانه – «لأجل مائة عام سلام في المنطقة».
لماذا؟
1) إن هذه المنطقة العربية على الرغم من أهميتها الحيوية المتعددة الجوانب، وعلى الرغم من خبراتها الموفورة المتنوعة، فإنها لا تزال ترسف – في الجملة – في أغلال التخلف. وبديه أن إماطة التخلف تتطلب سلاما طويل الأمد ملؤه التفرغ للعمل والإنجاز والإدارة البارعة، فذلك كله يندغم في «مفهوم التنمية».. وعقلاء الناس متفقون على أن الأمن الوطيد، والاستقرار المكين، هما مناخ التنمية الجادة المستمرة، وهما – في الوقت نفسه – من مواليد السلام الشرعيين، ومن ثماره الحلوة.
2) إنها منطقة أشقتها الحروب «الحروب البينية والحروب الخارجية الغازية».. ولا ريب في أن الشفاء من سقام هذه الحروب ومن عاهاتها يحتاج إلى سلام طويل الأمد.
3) إن العالم مقبل – في العقود المقبلة – على «وثبات علمية كبرى»، ربما تساوي أو ترجح الاكتشافات والتطبيقات العلمية في القرن العشرين مثلا.
ومما لا شك فيه أن الإبداع العلمي يحتاج إلى السلام العام الطويل الوطيد، حيث يكون هناك وقت فسيح للتفكير العلمي، والبحث العلمي، والتطبيقات العلمية (التكنولوجيا).. والنهضة العلمية المطلوبة ستفقد هذه المقومات في حالة الانغماس في الحروب البينية أو الحروب الغازية الخارجية، فالحروب لا تلوث البيئات الجغرافية فحسب، بل تلوث كذلك صفاء النفوس، وإذا فقدت النفوس صفاءها فقد الذكاء عمقه.
إلى آخر مقومات السلام المرتجى ومقتضياته.
كنا سنفعل ذلك، بيد أن «احترام الواقع» ألزمنا بأن نكون «واقعيين». بمعنى أن سلاما طويل الأمد هل يمكن أن يقوم ويعيش ويطول عمره في منطقة لا يزال بعض أوطانها محتلا (فلسطين)، ولا يزال أهل هذا الوطن مشردين في آفاق الأرض، ولا تزال «أقدس بقعة» في هذا الوطن تتعرض للمسخ والتهويد والهدم؟!
ولنضرب مثلا بما هو أقرب للذهن.. لقد جاء وزير خارجية أميركا جون كيري بما قيل إنه «خطة سلام» تنهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.. وما تسرب من هذه الخطة ذات التسع أو العشر نقط يشير إلى أنها خطة تخدم المحتل وأطماعه في المقام الأول، وتجور – في الوقت ذاته – على أهل الأرض المحتلة!
ومع هذه المفارقات التي تصب في رصيد الكيان الصهيوني – حاضرا ومستقبلا – رفض بنيامين نتنياهو هذه الخطة. وقد تمثل رفضه في رفض مقابلة جون كيري نفسه!!
ومن شاء مزيدا من الأمثال الصهيونية الكارهة للسلام والرافضة له، فليستحضر وليتأمل استراتيجية تعليمية دفاعية هي ثمرة تنسيق وتعاون بين وزارتي التعليم والدفاع الإسرائيليتين.
ما هي هذه الاستراتيجية؟
لنقرأ بعض خطوطها العريضة وهي:
1) ترسيخ عقيدة أن فلسطين «يهودية» 100 في المائة خص بها الرب الشعب اليهودي وحده دون سواه!!
2) أن القدس كانت – في التاريخ – عاصمة ملك بني إسرائيل، وأنها ستظل كذلك إلى الأبد.
3) أنه على الأجيال اليهودية الناشئة أن تنخرط في جيش الدفاع الإسرائيلي لكي تتمكن من الدفاع عن حقها التوراتي في فلسطين.
ومن صور تدريب الناشئة اليهودية على هذه الاستراتيجية: أن مذيعا عسكريا سأل بنتا مراهقة تعتلي ظهر دبابة: «ما هي أمنيتك؟».. قالت – بسرعة البرق: «أن أقتل 85 عربيا».. ولا يدري أحد لماذا حددت هذا الرقم العجيب؟
وقال طفل آخر – معبرا عن أمنيته أيضا: «أريد أن أكون طيارا أطلق الصواريخ على العرب من فوق»!!
فهل هذه عقلية سلام، طويل أو قصير؟
لسنا في حاجة إلى أن نقسم بالله العلي العظيم أننا محبو سلام.. ودعاة سلام.. فالسلام – لنا وللبشرية كلها – جزء من عقيدتنا. فالأصل في منهج الإسلام في العلاقة بين الأمم هو «السلام».. ثم إن العدوان – المناقض للسلام – محرم في ديننا: «وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا».. ردوا العدوان فحسب، ولا تزيدوا على ذلك ولو تهيأت لكم الفرصة!!
لكن محبة السلام والتبشير به لا ينبغي أن تكون «سذاجة سياسية» تقبل بسلام هش خادع ملغوم يؤسس لحروب جديدة وطويلة.. كما حدث – مثلا – في أعقاب الحرب العالمية الأولى. فعقب هذه الحرب الطاحنة أبرمت معاهدات سلام – على غش وغبن – ما لبثت أن صارت خمائر وذرائع لحرب عالمية أشد ضراوة وفتكا وهي الحرب العالمية الثانية.
ولعل المثل «القريب» أدق وأوفى عبرة.. فمن الاتفاقات المقوضة لأسس السلام: «اتفاق الخليل» الذي يمزق مدينة الخليل ويزرعها بالفخاخ الصهيونية، أي بالمستوطنات العازلة التي تعزل الوجود الفلسطيني بعضه عن بعض، عزلا هازلا مضحكا في تمزيق البيت الفلسطيني الصغير نفسه. أو كما قال أحد الوجوه الفلسطينية – يومئذ: «قسم منزل أحد المواطنين بحيث تقع غرف النوم في منطقة (أ)، ويقع الصالون في منطقة (ب)»، أي أن غرفة النوم تحت سيادة فلسطينية. أما الصالون فتحت سيادة إسرائيلية!!
ولاتفاق الخليل هذا ملحق يحدد وظيفة السلطة الفلسطينية بتوفير «الحماية الأمنية» للنظام المحتل، وهي حماية كانت – بلا ريب – سببا جوهريا من أسباب الكبت والقمع الذي ولد انفجار «نفرة الأقصى». ففي هذا الملحق المنطوي على بذور الاضطراب والتفجرات:
أ) استكمال إعادة النظر في الميثاق الوطني الفلسطيني.
ب) مكافحة الإرهاب ومنع العنف (إرهاب من؟).
ج) تعزيز التعاون الأمني.
د) منع التحريض والدعاية المعادية وفقا لما ورد في المادة الثانية والعشرين من الاتفاق المرحلي.
هـ) توقيف الإرهابيين ومحاكمتهم ومعاقبتهم.
وليس من الحق في شيء أن ننتقد العدو (الكيان الصهيوني)، ونسكت على أخطاء الصديق (الإخوة الفلسطينيين). فمجاملة الإخوة الفلسطينيين – والحالة هذه – غش لهم، ومغامرة بقضيتهم العادلة.
كيف يمكن لهؤلاء الناس أن يظفروا بحقوقهم وهم مختلفون متخاصمون «تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى»؟!.. (هذه الآية نزلت في اليهود بادئ ذي بدء، وهي منطبقة على الفلسطينيين اليوم)!!
نعم.. كيف يظفر الفلسطينيون بحقوقهم وهم شذر مذر، لا رؤية تجمعهم، ولا راية توحدهم، ولا ثقة متبادلة تجعل بعضهم يطمئن إلى البعض الآخر؟!
ألا يدري هؤلاء الإخوة أنهم بوضعهم الهزيل (المهلهل) هذا يخدمون عدوهم خدمة ممتازة؟!
وكيف ينتصر ناس يحاولون هزيمة عدوهم بخدمته والمسارعة في تنفيذ ما يريد وهو الشقاق الدائم بين الفلسطينيين؟!
اخجلوا..
اخجلوا يا هؤلاء من أنفسكم ومن أولادكم وذراريكم، واخجلوا من أصدقائكم ومناصري قضيتكم.
اخجلوا.. اخجلوا.. اخجلوا.

السابق
النساء سلاح أسير عين الحلوة
التالي
ربما – الخروف السعودي