رولا كحيل بالخيط والإبرة: الرسم حريّتي وملجأي

رولا كحيل
متمردة، عاشقة للتراث وحِرف الاجداد القديمة، رسامة من نوع آخر، إختارت الخيطان والإبرة لترسم صورة حياتها، واقعها ومجتمعها، لم تأبه لرفض الأهل لفنها، بل صعدت الى قطار فن تشكيلي تجردي واقعي في آن. اتخذت من "إبرتها" طاقة إيجابية للتعبير الفنّي. الرسم بالنسبة لي هو حريّتها وملجأها. أحياناً يحتاج إنجاز إحدى رسومات رولا كحيل إلى مدة ستة أشهر وأكثر. هي رسامة الخيط والأبرة، المرأة الجنوبية عاشقة الفنون القديمة.

بأناملها حاكت روحها، رسمت بالخيطان حكاية امرأة ترفض الإنطواء، هي رسامة الخيطان وهي أيضاً فنانة أبدعت نوعا جديدا من الفن الحرفي الذي كاد أن يموت. لا تكل ولا تمل ساعات. طوال تمضيها بين قماشتها والابرة والخيطان الملونة. ترمي بهمومها الحياتية جانباً وتنكب على رسم “الخطأ فيه ممنوع”.

الرسم بالخيطان رحلة بين الانا والإبداع هو ما أرسته رولا كحيل  في حياكة فنها: “أرمي همومي وأبدع برسمي”… أنشات لنفسها منظومة لونية خاصة، حاكتها من خلال هواجس الخوف من أن يأتي يوم وتموت الحرفة “في زمن المد العنكبوتي وفوضوية الحياة عند الشباب”.

قبل عامين إنقلبت خريطة حياة رلى كحيل، المرأة الجنوبية العاشقة لكل الحرفيات والفنون القديمة، إذ استلّت خيطاً وإبرةً وبدأت ترسم حكاية إمرأة إنقضت على رفض أمها وكل عائلتها لموهبتها، فمنذ صغرها أحبت عالم الفن والإبداع إلا أن أحداً لم يلتفت إليها ويحمسها على سلوك هذا “الدرب”.

إصرارها وعزيمتها أنتجا إمرأة مبدعة في حرفتها البسيطة “الصعبة والسهلة في آن”، الصدفة لعبت دورا في إنخراطها في حرفتها، ففتحت “طاقة القدر لها” وفق ما أشارت وهي منهمكة في إنجاز لوحة تعمل فيها منذ شهرين.

يعتبر فنّ الرسم بالخيطان من اصعب أنواع الرسم، رغم أنه يدل على ذكاء رسام يدخل في خضم مبارزة لونية يُخرج في نهايتها لوحة غاية في الدقة. هو “السهل الممتنع” حسب ما تقول كحيل، “يشبه عملية رياضية تحليلة فكرية فيها الكثير من الصعوبة، يتطلب الدقة والفن والذكاء في آن” إذ تشير كحيل  “الخطأ ممنوع يؤدي الى خسارة كل الرسمة”.

 تشبه رولا بفنها امرأة خارج إطار الصورة متمردة، تريد أن تستعيد حرفة ماتت بنظر كثر: “أريد أن أرسم أفكار متعددة  فالرسم بالنسبة لها “حياتي وحريتي وملجأي، أهرب اليه من عالم لا يفهمني، الى عالم ينسيني كل شيئ أخاطبه بهواجسي همومي فيعطيني فرحة داخلية”

تحاول كحيل أن تلملم أشلاء هواية عاشت معها منذ صغرها: “كنت احلم أن اتقنها، لكنّ اعتراضات أمي حالت دونها وإن كنت أحيك سرا بعض القطع كنزة، غطاء كبايات”.

بوابة القدر فتحت أمام رولا حين تعرفت صدفة إلى إمرأ ترسم بالخيطان فقدمت لها “البوردا” أو خريطة طريق الرسم لتبدأ رحلتها ناحية صوغ دفتر حرفي بإمتياز. لأنها تعتبر “الحرف التراثية لا تموت ونحن من يمدها بالروح لتبقى”، عشقها لهذا النمط من الفن “التراثو – حديث” يأتي من أنّه “يجمع اكثر من خط فني إلتوائي وإعتكافي في آن، يضيف نفحة إبداعية على حرفة تتجه نحو الإندثار، لقلة من يعمل بها وإن وجدوا فهم لا يزيدون عن عدد أصابع اليد”.

في مكتبها حيث تعمل في مدينة النبطية الجنوبية  تحمل رولا قماشة croshee وابرة وخيط يتغير حسب المشهد التي ترسمه، إبتسامتها تضفي نفحة فنية على عملها الشاق، الذي  “تعلمته بالفطرة، فهذا النمط الحرفي يجعلني أتعرف على ذاتي، فأخيطها بحنكة رسام مهووس بالفن”.

أول السلم كان “حرام”  لتكرّ سبحة الإبداع في درب رلى التي خطت أول خطواتها الإحترافية منذ عامين، ورغم أنها ما زالت في بدايته إلا أنها تبدو أكثر حماسا لرسم الواقع كما تجسده خيوطها: “فاللوحة هي حياتي بمشاربها كافّة، بألوانها المتعددة ربما هذا ما شدّ بي رغبة التفرد في رسم لا يجيده إلا قلة اليوم رغم أنه متعب والخطأ فيه ممنوع”.

أنجزت العديد من المطرزات اليدوية، التي حاكتها بالصنارة “برادي، أغطية للطاولة والكاسات، شراشف وركايات لغرف النوم، وصلت بها الأفكار الى حياكة أغطية للكنابيات”.

لكنّ تركزيها اليوم على الرسم بالخيطان “لما يملكه من  جمالية فهو بمثابة تجريد سوريالي عتيق” حسب توصيف رولا التي لا تكل ولا تمل في رسم لوحة قد تحتاج اربعة أشهر من العمل، بدقة متناهية وكانها تلعب لعبة الحياة بخنادقها.

لا يتوقف طموح رولا عند حد، فهي متعلقة بكل أنواع الحِرف من الفخار الى النفخ بالزجاج الرسم الزيتي الحياكة بالصنارة والرسم بالخيط.

أعاد رسم الخيوط السكينة الى حياة رولا بعد أن كانت فوضوية: “فحين يكون الكل مضطربا من تجليات الحياة أكون في قمة الهدوء في عالمي الفني الخاص أدخل كوما من الهدوء”.

عدّة عملها ابرة وخيط وقماشة، وصبر وطول أناة، إلا أن إبداع العمل ينسي التعب  “ما أقوم به عالم كبير جدا وأنا مازلت في خطوته الأولى ولو يصحلّي اشتغل 70 قطعة في آن لما قلت لا”.

السابق
فتفت: قبول حزب الله بإعلان بعبدا يعني انسحابه من سوريا
التالي
انباء عن مقتل زعيم داعش بجبل الاكراد