السفير: واشنطن تنصح سليمان أولوية الاستقرار تُسقط حكومة الانتحار

يبدو أن نصائح الأميركيين وعواصم أخرى، بينها دول “اليونيفيل” من جهة، ونصائح الرئيس نبيه بري وقيادة “حزب الله” والنائب وليد جنبلاط من جهة ثانية، فعلت فعلها في تفادي دخول البلاد في مغامرة حكومة الأمر الواقع المحفوفة بالمخاطر السياسية والوطنية، والتي كان من شأنها أن تترك آثاراً سلبية عميقة على الساحة الداخلية والعلاقة بين أطرافها.

الكل قالها بالفم الملآن: نحن مع مبدأ الحكومة الجديدة وتفادي الفراغ، لكن إذا كان الهدف تحصين الاستقرار ورفع مستوى المناعة الوطنية وإيلاء اهتمام بقضايا الناس، وإعادة ضخ الدم في العروق اليابسة للمؤسسات الدستورية، وتمهيد الطريق أمام الانتخابات الرئاسية، فإن محاكاة النتائج المتوقعة تبين أن ما سيحصل هو العكس تماما، إذ ان حكومة غير توافقية ستدفع لبنان نحو المجهول، وستُفاقم الانقسامات الداخلية، وستزيد المؤسسات اهتراءً وهموم المواطنين اتساعاً… والأخطر أن “عصف” هذه “القنبلة السياسية” سيصيب انتخابات رئاسة الجمهورية التي ستصبح في مهب الريح.

أكثر من ذلك، يكمل السفير الأميركي ديفيد هيل ما كان بدأه قبله النائب وليد جنبلاط. يقول هيل للرئيس سليمان في زيارة بقيت بعيدة عن الأضواء بين الميلاد ورأس السنة: “الإدارة الأميركية مع تأليف حكومة جديدة ولكن الأولوية للحفاظ على الاستقرار، وهذه أولوية المجتمع الدولي كله، وأي خطوة قد تعرّض الاستقرار في لبنان للخطر نفضّل عدم الإقدام عليها”… وأكمل محذراً من أن تؤدي خطوة كهذه إلى وضع “حزب الله” يده على لبنان.. وبالتالي الذهاب نحو طائف جديد.

جنبلاط كان قد فاجأ سليمان، في بعبدا، قبل ذلك بأيام قليلة بكلام صريح وواضح قاله بحضور وائل أبو فاعور: “حذار الإقدام على خطوة الحكومة الحيادية واستعادة تجربة الرئيس أمين الجميل في نهاية عهده”، وأكمل شارحاً ما أسماها “التداعيات الكارثية” على الرئاسة والطائف والبلاد.

المفارقة أن رئيس الجمهورية الذي سافر في زيارة خاصة (يعود اليوم من بودابست) تاركاً وعد الحكومة الموعودة في أدراج مكتبه الرئاسي، قد بدّل حساباته حتى قبل أن يقع انفجار حارة حريك.

نبيه بري رفع شعار “لا للعزل”، وجاهَر بأن الحكومة الفاقدة للميثاقية وللثقة النيابية لا يمكن أن تملأ فراغ الرئاسة الأولى.

بكركي تلقفت تحذير رئيس المجلس من أن تكون الانتخابات الرئاسية أولى ضحايا الحكومة الحيادية، فأسقطت الحرم على خيارات الأمر الواقع، ثم رفعت صوتها بلسان المطرانين بولس صياح وسمير مظلوم: “لا لحكومة الأمر الواقع لأنها استفزازية”.
“حزب الله”، قبل سقوط الدم في الضاحية وبعده، لم يحد حرفاً واحداً عن حكومة الوحدة الوطنية.

أما وليد جنبلاط، فلم يبدل خطابه. بعد الانفجار مباشرة، انبرى يصرخ في غابة الفضائيات اللبنانية، من غرفة فندقه التركي في اسطنبول، بأن الرد على الإرهاب والإرهابيين يكون بحكومة وحدة وطنية ونقطة على السطر.

وقبل أيام قليلة من رحلته التركية.. ومن انفجار حارة حريك، طلب جنبلاط من وائل أبو فاعور الاجتماع بصورة عاجلة بالمعاون السياسي للرئيس نبيه بري الوزير علي حسن خليل وأن يقترح عليه صيغة 8 ــ 8 ــ 8 مع وزيرين ملكين لكل من “8 و14 آذار”، أي صيغة 9 ــ 9 ــ 6 مقنّعة، وكان يفترض أن يستكمل النقاش حولها، قبل أن يغطي الدخان الأسود كل المشهد السياسي.
من الواضح أن ملف لبنان صار مطروحاً على جدول “الكبار” في المنطقة والعالم.. في انتظار المقايضات الكبيرة.

لبنان على موعد مع شهور خطيرة وحساسة وعاصفة بالأحداث، غير أن ثمة نقطة ضوء يتيمة ولكنها كبيرة: المظلة الدولية والإقليمية الحامية للاستقرار اللبناني لا تزال قائمة برغم الاهتزازات والتفجيرات التي حصلت.. أو يمكن أن تحصل!

يعني ذلك أن أي حكومة من خارج التفاهم الوطني سيتعذر عليها نيل ثقة مجلس النواب، وستفتقر إلى المشروعية الوطنية والشرعية الدستورية… ما يعني أن رئيس الجمهورية سيكون مضطراً الى معاودة الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس مكلف يتولى خوض غمار التأليف من جديد، علماً أن الوقت ضيق جداً ولا يتسع لترف تجارب مكلفة قد يكون أول ضحاياها الاستحقاق الرئاسي القريب.. وآخرها الصيغة التي لم تعد قادرة سوى على إنتاج الاهتزازات الأهلية.. وبصورة موسمية.

السابق
السفير: تفجير الضاحية يعطّل عبوة بعبدا
التالي
الديار: تنافس مخابراتي سعودي ايراني لاستجواب الماجد