هل من صفقة حكومية – رئاسية شاملة؟

السيناريو المسرّب عن حكومة حيادية في الأسابيع المقبلة لا تنال الثقة بسبب موقف «8 آذار» زائد النائب وليد جنبلاط، والدعوة إلى استشارات جديدة من أجل تسمية رئيسٍ جديد للحكومة، وقبل 25 آذار حيث لا يقوم البرلمان بأيّ عمل سوى إجراء الانتخابات الرئاسية، هو سيناريو يحمل الكثير من الغموض والتساؤلات.
السيناريو المتداول من الطبيعة المعقدة، فيما الخلاف الحكومي من الطبيعة المبسطة، ما يفترض حلاً مبسطاً لا معقداً، على طريقة تراجع قوى “14 آذار” عن رفضها صيغة 9-9-6، أو تراجع قوى “8 آذار” عن رفضها صيغة 8-8-8، أو إقدام رئيس الجمهورية والرئيس المكلف إلى التأليف بمعزل عن الطرفين.

ولذلك ما هو غير مفهوم في السيناريو المفترَض يتمثل بهذا الطرح على مرحلتين: التأليف الذي لن يحوز على الثقة، ومن ثمّ فتح الباب أمام التكليف مجدداً إفساحاً في المجال لمعاودة محاولات التأليف.

جملة من التساؤلات تطرح نفسها: هل الأسباب التي حالت دون التأليف في التكليف الأول يمكن أن تُذلَّل مع التأليف الثاني؟ وهل هناك من توجه لإعادة النظر في التكليف؟ وهل المقصود تحويل حكومة سلام إلى حكومة تصريف أعمال مع رئيس حكومة مكلف تطمئِنّ له “8 آذار”؟ وهل المطلوب من وراء هذا السيناريو امتصاص نقمة الفريق الممانع وردّ فعله؟ وهل يقبل فريق “8 آذار” بهذا المخرج؟ وهل سليمان في وارد إعادة تكرار نموذج الحكومة الميقاتية؟

وإذا كان من الثابت أنّ رئيس الجمهورية، وفق ما يردّد، مصمم على التأليف لاستبدال الحكومة الفئوية بأخرى متوازنة، فلماذا لا يذهب مباشرة إلى تأليف حكومة من هذا النوع من دون اللجوء إلى هذا السيناريو المركب وفي توقيت لا يتيح إعادة التكليف مجدداً؟ وهل الاستعجال في التأليف هدفه استبعاد سلام لإعادة خلط الأوراق مجدداً؟ وهل هذا السيناريو متفق عليه وينتظر الساعة الصفر للتنفيذ؟

من الواضح أنّ هناك توجهاً لكسر المراوحة القائمة من خلال تحويل حكومة سلام إلى حكومة تصريف أعمال، وعبر هذه الخطوة يكون سليمان وسلام قد بعثا برسالة في اتجاهين: الأولى إلى “14 آذار” التي تحثهما باستمرار على أخذ المبادرة والتأليف وفقاً لقواعد الدستور ودون انتظار موافقة من هنا أو غطاء من هناك. والرسالة الثانية إلى “8 آذار” باعتماد الوسائل الدستورية لإسقاط الحكومة السلامية ورمي كرة التكليف في ملعبهما، أي بإعادة تكليف سلام أو شخصية من خارج 8 و14 آذار، أو قريبة من توجهاتهما؟

ولا شكّ في أنّ أيّ خطوة من هذا القبيل ستحرّك الوضع الحكومي وتفضي إلى الآتي: تضع سليمان في الموقع المبادر، وتحوّل سلام إلى رئيس حكومة، وتُحرج جنبلاط وتُربكه، لأنّ قوى “8 آذار” ستعوّل عليه بقلب الطاولة ليس فقط بعدم منح الحكومة السلامية الثقة، إنما بعدم تكليف رئيس حكومة مقرب من “14 آذار”، الأمر الذي يعني تخلي جنبلاط عن القاعدة التي اعتمدها مع تكليف سلام: في التكليف مع “14” وفي التأليف مع “8”.

وفي موازاة جنبلاط، هل من مصلحة “حزب الله” الاتيان برئيس حكومة لا يمثل الوجدان السنّي؟ وألّا يأخذ في الاعتبار أنّ توجهاً مماثلاً سيقوّي خطّ التطرف على حساب الاعتدال، كما يؤدي إلى تسعير المواجهة مع المملكة العربية السعودية وقطع الطريق على الانفتاح الإيراني؟

فـ”حزب الله” الذي يحرص على إبقاء خطوط التواصل مع رئيس الجمهورية في محاولةٍ لتطويق أيّ خطوة يمكن أن يقدم عليها سليمان، لن يتهاون مع سيناريو يُحرج حليفه الجنبلاطي ويفضي إلى حكومة تصريف أعمال بديلة عن الحكومة الميقاتية تتولّى زمام الأمور بعد الفراغ الرئاسي، إلّا في حال كان هذا السيناريو متفقاً عليه مسبقاً، وعندها على قوى “14 آذار” أن تحاذر أيّ مقايضة بين حكومةٍ سلامية متفق على وزرائها مع “حزب الله”، ورئيسٍ مكلف من خارج صفوفها يهدف إلى تعويد الناس على فكرة التأليف من خارج “المستقبل”.

وفي سياق السيناريوهات أيضاً، وإنما الرئاسية هذه المرة، كان لافتاً ترشيح النائب سليمان فرنجية نفسه إلى الرئاسة الأولى مخالفاً موقفه السابق بدعم ترشيح الجنرال ميشال عون.

وإذا كان من المستبعد أن يقدم فرنجية على هذه الخطوة من دون طلب “حزب الله” أو علمه، فمن الواضح أنّ الحزب يريد جسّ نبض عون وردّ فعله على ترشيحٍ يدفع الحزب باتجاه خيارٍ ثالث على قاعدة استبعاد عون وفرنجية تلافياً لانقساماتٍ داخلية، الأمر الذي يدفع إلى السؤال الآتي: هل من “باكيدج ديل” حكومي-رئاسي يتمّ طبخه على نار باردة؟ وما هي طبيعة هذه الصفقة؟

السابق
محمد شطح: الذين يشبهوننا ويعيشون حياتنا يخسرون الكثير
التالي
هدايا الأسد في الأعياد