العملية في محيط صيدا: هل دخل الجيش الحرب على الإرهاب؟

كان لا بد للجيش ان يفعل ما فعله يوم الخميس في تخوم صيدا، من اجراءات وتدابير وعمليات تفتيش وبحث، فهو على تواضعه قياساً بالمعايير العسكرية وعلى قلة مردوده العملي، رد اعتبار واثبات حضور لمؤسسة وطنية ثمة سعي دؤوب لاخراجها من هذا الحيز واضافتها الى مؤسسات الدولة التي تعاني انقساماً أو يشار اليها بأصابع الاتهام على اساس انها في كيس هذا الفريق او ذاك.

كان لا بد لقيادة هذه المؤسسة التي ما زالت تحرص على الاحتفاظ بدرجات عليا من سمات الاعتداد بالذات، أن تأخذ المبادرة وبالتالي تشرع في اعادة اعتبار للدور والوظيفة من جهة، والحؤول دون المزيد من استنزافها قوة وسمعة من جهة أخرى.
فلم يعد خافياً في تقدير دوائر القرار في 8 آذار ان الذي هاجم موقعي الجيش ليل الاحد الماضي عند مدخل صيدا الشمالي وعلى تخومها بالطريقة التي تم الهجوم بها (اي الأجساد المفخخة) والهجمات المباشرة انما اراد ان يكون ذلك ذروة ضربات كانت وجِّهت للجيش سابقاً وبشكل متتابع خصوصاً في طرابلس وقبلها في عرسال حيث بدت وحدات الجيش هناك وخصوصا في الآونة الاخيرة في حالة ضعف ووهن امام هجمات المجموعات المسلحة وهي تنتهك الخطط الأمنية المتعاقبة لهذا الجيش بغية اعادة طرابلس الى دائرة الاستقرار بعد موجة عنف شرسة.
وعليه فان الهجوم على موقعي الجيش في صيدا اعطته الجهات المعنية أبعاد أعمق بكثير إن لجهة التوقيت أو لجهة المكان المستهدف واستطراداً لجهة المقاصد والاستهدافات القريبة والبعيدة على حد سواء.
فمنذ أحداث عبرا وما قبلها بعث الجيش برسائل متعددة الى اكثر من جهة معنية وفي مقدمها الارهاب والتكفير بكل تمظهراته وتلاوينه بأنه حريص كل الحرص على ان تبقى منطقة الجنوب وفي المقدمة صيدا كمدخل للجنوب مقيمة على خصوصية وان تبقى محصّنة أمنياً على نحو لا تتحول فيه الى طرابلس اخرى، اي تنشأ في داخلها خطوط تماس قابلة للاشتعال والنزف كلما اقتضت الحاجة وغب الطلب.
لذا كان الحسم حازماً وسريعاً في عبرا ابان احداث عبرا، وكان الضبط والربط حاسماً ايضاً في محيط مخيم عين الحلوة وصولاً الى تعمير عين الحلوة.
اكثر من اعتبار دفع الجيش الى العمل بجد وحزم تجنباً لتحويل الجنوب وبالتحديد صيدا ومحيطها ساحة تحد واختبار او ساحة مستباحة ابرزها هذا التداخل الحاصل في الجنوب فضلاً عن وجود مخيم عين الحلوة الذي ينظر اليه منذ البداية على اساس انه مصدر محتمل لكل انواع الاضطراب وحض لأي مجموعة تكفيرية او ارهابية يمكن ان تفكر بالعبور منه اما الى عمق الجنوب او الى الحدود الدولية حسب قوة “اليونيفيل”.
وفي الجنوب ايضاً ثمة بيئة حاضنة للجيش لا تنظر اليه نظرة ريبة أو شك بل تعتبره اقنوماً آخر أصيلاً من أقانيم المقاومة والممانعة الثلاثة، وانطلاقاً من كل هذه الاعتبارات والوقائع الميدانية والسياسية كانت غلبة الجيش امس في وديان مجدليون وبقسطا وصولاً الى مساحة جغرافية أبعد.
والعملية الجديدة اتسمت بجملة خصائص ميدانية ان لجهة الاتساع الجغرافي أو لجهة نوعية السلاح المستخدم، وحدات تدخل، وانتشار في الوديان وملاحقة واستخدام الطيران للمرة الاولى، مما دفع الكثير من المراقبين والمعنيين بالوضع في الجنوب ان يطلق على هذه العملية مصطلح أول “خطوة جدية بالحرب الاستباقية على الارهاب”. فوحدات الجيش هنا لم تكن بموقع رد الفعل، كما هي العادة، بل هي الآخذة للمبادرة والمطاردة للممرات المحتملة للعناصر الارهابية، وقنوات الرفد والدعم الممكنة لها، وهذا يعني بشكل أو بآخر أن المؤسسة العسكرية شاءت أن تبعث رسالة الى المعنيين في الداخل والخارج على حد سواء جوهرها انها في طور الانتقال الى مرحلة جديدة من مواجهة الاعداء المفترضين، واستتباعاً انها بدأت فعلاً تخرج عن نطاق الاطر التقليدية في الدفاع انطلاقاً من اعتبارين اثنين؟
الاول ان تلك الاطر صارت عديمة الجدوى مع مجموعات ارهابية طورت فلسفة حضورها في الساحة اللبنانية الى حد الرغبة بأن تكون رقماً صعباً وليس مجرد العبور أو الكمون. فضلاً عن ان هذه المجموعات أعلنت من دون سابق انذار ما يشبه حرباً استباقية على الجيش راغبة بأن تضع له خطوطاً حمراً للتعامل مع حضورها في الساحة وهي سبقت ووجّهت له في هذا الإطار رسائل بالدم في البقاع ومناطق شتى وخصوصاً على مداخل بلدة عرسال، وكان آخرها في صيدا نفسها.
الثاني: ان المؤسسة العسكرية تعرب من خلال العملية التي اقدمت على تنفيذها في محيط صيدا صباح أول من امس عن استعدادها لتكون شريكة في منظومة الحرب المتعددة الطرف على الإرهاب بكل تلاوينه وأشكاله. في السابق وفق معلومات، كانت شراكة الجيش تقتصر على تبادل المعلومات ذات الطابع الاستخباراتي عن تواجد وتحرك المجموعات الإرهابية، اما الآن فيبدو ان طبيعة المرحلة تقتضي المشاركة بأكثر من ذلك، واستطراداً تقتضي البدء بحرب استباقية وعلى نحو يقطع حبل السرّة الذي يغذِّي هذا الإرهاب ويؤمن له الحضور والكمون في مرحلة أولى. وهكذا خطا الجيش أمس خطوة اولى اراد من خلالها ان يدخل في اختبار تحدٍ مع الإرهاب الذي سعى دوماً ومنذ بداية التسلل إلى الساحة اللبنانية ان يجعل الجيش مكسر عصا أو على الأقل ان يغسل يده عن الفصل الحاسم.
وهذه الخطوة ستصبح بلا قيمة إذا ما ظلت يتيمة لأن الخصم المتربص يعتبرها تسجيل حضور ليس إلا، خصوصاً ان هذا الإرهاب أثبت بالدليل العملي انه ليس عابر سبيل.

السابق
إسرائيل ترسم من طرف واحد حدوداً بحرية مع لبنان
التالي
هل بلغت المفاوضات الأميركية – الروسية رأس الأسد