يُحبون الموت

بالأمس كان معين أبو ظهر. الخبر لم يمرّ بين كثيرين. الصدمة بلبناني “انتحاري” على أرض لبنانية، بغض النظر عن المُستهدف. ثمّ، هناك معين آخر قد ظهر، وعلى ما يبدو سيظهر من بعدهم. تمتد المروحة من صيدا لتصل إلى بيروت. الطرق سالكة أمامهم. افتتح معين المعركة، وسيكملها من بعده من هم مثله، المسيّرون إلى موتهم “الإلهي ـ الجهادي”.

محمد الظريف، ابراهيم المير، مشاريع انتحارية. أسماء لعلّها ستؤسس إلى حالة عامّة. هواة موت يعتقدون أنهم يواجهون هواة موت مثلهم. في طريقهم إلى هذه المواجهة، سيذهب أبرياء كُثر. حصل في الرويس وبئر العبد والجناح وطرابلس وصيدا. حين يرتدون أحزمة الموت، يقتنعون أنهم يقومون بواجب “جهادي” لمواجهة من يظلمهم. ثمّ يذهبون إلى قتل جماعي غالباً ما يكون لا علاقة له بمن يواجهونه. حربهم مع حزب الله لا تأخذ في طريقها إلّا بعض اللبنانيين الذين لا علاقة لهم بالحرب، وإن كان لهم رأي فيها.

على هذا الأساس، العودة إلى الأصل لا بد منها. بإمكان حزب الله أن يقول ما يقوله عن التكفيريين وعن الحاقدين عليه وعن الذين يمارسون الإرهاب في مناطقه. حق اللبنانيين أن يخافوا هذه الظاهرة التي أسس لها حزب الله بنفسه: الإنتحاري. هي فعلاً أداة انتحار للوطن بأسره. لكنّ، قبل كل ذلك، ليراجع حزب الله ما فعله مع هؤلاء “التكفيريين” منذ العام 2005 وحتى اليوم. دائماً ما يُهرول الجميع إلى النتيجة من دون قراءة متأنية للأسباب. هذا الإرهاب السابق واللاحق، من ابو ظهر إلى المير وإلى آخرين سيظهرون تباعاً، ساهم في تثبيت إرهابهم، ممارسات كان الحزب فيها غير مُدرك أو مُدرك لتبعات ما يقترفه.

العودة بالزمن إلى سنوات مضت من تهميش طائفة بأكملها، من إزاحة رفيق الحريري بالقتل ثمّ مع نجله بسياسة التهديد بالسلاح، مروراً بـ7 أيار، وصولاً إلى حربه في سوريا وانعكاساتها الداخلية، وغيرها الكثير من الأحداث، هي المدخل الوحيد لفهم أبو ظهر واللاحقين به تباعاً. بيئة، كانت مع رفيق الحريري باعتداله، تتقبّل لا بل تمشي مع شخص كأحمد الأسير، هي بيئة مكبوتة وتشعر بمظلومية يُدرك حزب الله معناها جيداً، وما تفعله من ردات فعل، هي تتحكم بأداء حزب الله إلى اليوم. ردات الفعل طبعاً. ألم يقل يوماً الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله: لم نعد موظفين على “البور” (المرفأ)؟

التكفير قبل أن يتحول إلى عملياته الإنتحارية أو التفجيرية، مرّ بمرحلة كفر بواقع حاله. أنجب متطرفين كحالة الأسير وغيره. واقع حاله السيء هذا لم يأت من عدم، ولا كان نتيجة لتحريض لا أساس له. حين تتحوّل سرايا المقاومة، كأبسط مثل، إلى مجموعات خارجة عن الدولة والقانون محمية ممن يظلم الطائفة المُستهدفة، فهل تنتظر أن يبادرها هؤلاء بالورود؟

كل هذا لا يعفي مسؤولية الطرف الآخر، خصم حزب الله. استطاع الأخير أن يجرّهم إلى حيث يريد. لم يعد ينفع الحديث عن اعتدال لدى سعد الحريري طالما هو غير موجود. البيانات من صيدا إلى طرابلس لم تعد ذات جدوى. صورة 14 آذار التي التقطت في “الكواليتي إن” ليست هي نفسها التي كانت في غير مكان، قبل زمن من الواضح أنه لن يعود. من يحيك كلمات استنكاره بعناية، خوفاً من رد فعل جمهوره، يعني أنه فقد ثقته به، كما هو حال هذا الجمهور، وهذه البيئة، وتحديداً السنية، التي فقدت ثقتها بقادتها، وبات السلاح أقرب ما يكون إليها. سبيلها إلى الله الإنتحار، بدل أن تُحب الحياة كما كان شعارها قبل سنوات.

لم يعد بعض السنّة في لبنان يُحبون الحياة. انضموا إلى بعض الشيعة الذين هم أساساً، بنوا امبراطوريتهم على تعميم الموت. بين هذا وذاك، تبقى المسؤولية الأولى على عاتق من دفعهم إلى الإنضمام لفكره، فأصبحوا يموتون هم، ليموّتوا صاحب النظرية. وبين الإثنين، يقف الجميع مُتفرجاً بدرجات، ومُشجعاً بدرجات. الثابت الوحيد: الموت يستجلب الموت، وإن تعددت الأشكال، والمنكفئ له دوره، ولو كان غير فاعل، كمن بادر إلى القهر الأوّل.

المصدر: جريدة المدن الألكترونيّة

السابق
سجن مدى الحياة بعد ارتكابه 4 جرائم اغتصاب في ليلة واحدة
التالي
الناطق باسم آشتون: وضع لبنان هش ومقلق ومن المفاجئ عدم انفجاره