زمن الشيطانين الأكبر والأصغر انتهى

ما هو الخيط الرابط بين إعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من طهران أن اجتماع جنيف 2 يستند الى تطبيق اتفاق جنيف 1 ، وأن الدعوات الى كلّ الأطراف ستوجّه على هذا الأساس ، وبين التسريبات عن تعديل موسكو موقفها وموافقتها على أن يكون وفد المعارضة السورية الى المؤتمر “واسع التمثيل” بدلاً من التمثيل الكامل لكل أطيافها ؟
كذلك، ما هو الخيط الرابط بين إعلان واشنطن وقف مساعداتها غير الفتّاكة للمعارضة رداً على احتلال مقاتلي “الجبهة الإسلامية” مقار “الجيش السوري الحر” في منطقة “العتمة” ومعبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، واختطاف الناشطة الحقوقية البارزة رزان زيتونة في مدينة دوما جنوب دمشق الواقعة تحت سيطرة المعارضة ؟
أسئلة حملها معارضون سوريون في واشنطن الى مسؤولين أميركيين في الساعات الأخيرة ، في محاولة لتفسير المشهد السياسي، عشية الإستعداد لتوجيه الدعوات للمشاركة في المؤتمر.
وتجزم أوساط المعارضين بأن ضباباً كثيفاً يلفّ هذا المشهد ، ما يجعل قراءة التوازنات المتشكّلة على الأرض بالغة الصعوبة ، في ظلّ خلط للأوراق ، يتشارك فيه الجميع من دون استثناء .
هناك من يرى أن الجميع منخرط في عملية تجميع أوراق في هذه المرحلة ، ولو على حساب ثوابت عدّة، خصوصاً تلك التي تُعرّض مستقبل الثورة السورية لأفدح الأخطار. ومع دخول النزاع على الأرض السورية مرحلة مختلفة ، يبدو ان السعي الرئيسي فيها لم يعد نجاح الثورة او الحفاظ على سوريا ، بقدر ما بات الأمر يخضع لحسابات ، اختلط فيها الغث بالسمين .
وعلى رغم تأكيد الإدارة الأميركية أن المساعدات الإنسانية لن تتأثر بقرار تعليق تسليم كل المساعدات غير الفتّاكة ، إلا ان كلّ شيء يوحي بأن العمل سيكون مُنصبّاً على هذا الجانب ، سواء انعقد المؤتمر أو لا، ونجح أو فشل.
فالظاهر أن القضية السورية تحوّلت الى قضية إغاثة إنسانية، لا أكثر ولا أقلّ ، خصوصاً أن جلسة خاصة بهذا الشأن هي في طريقها الى الإنعقاد في الأمم المتحدة ، فيما تؤكّد كل الإشارات أن العمل على فرض حلّ سياسي للأزمة ليس هو الأولوية، على رغم كل الإدّعاءات.
وتلفت مصادر أميركية مطّلعة الى أن زحمة الإتصالات السياسية التي تترافق مع تصريحات عدّة ، تُركّز بمجملها على مواجهة التطرّف والجماعات المسلّحة التي باتت تفرض إيقاعها على مشهد المعارضة السورية .
وفي اعتقاد تلك المصادر أن “تواطؤا” ما، بدأ يدفع الأمور نحو “تقسيم” ميداني لسوريا ، أقلّه في هذه المرحلة ، وقد تمتد حتى نهاية الأشهر الستة التي وضعت لاختبار مدى التزام إيران في تطبيق الإتفاق النووي مع القوى الكبرى ، ليُبنى على الشيء مقتضاه ، سواء بالنسبة الى مستقبل علاقتها مع المجتمع الدولي او علاقتها بالملفات الإقليمية الأخرى ، وأبرزها ملف الأزمة السورية .
ويبدو أن فترة الاختبار هذه ستشمل أطرافا أخرى تلعب، بحكم المهام التي تنفذها ، أدواراً لا بد من أخذها في الإعتبار .
وفي هذا السياق، تكشف المصادر الأميركية نفسها عن انخراط ممثلين من وزارة الدفاع الأميركية والـ”سي أي ايه” في اتصالات مباشرة وغير مباشرة مع كل من “حزب الله” وحركة “حماس” في هذه المرحلة . وان الملفات المطروحة متعدّدة الجوانب . وعلى رغم امتناعها عن الخوض في تفاصيل تلك الإتصالات الا انها لا تنفي صلتها بالحوارات الجارية مع إيران ايضا ، بالنسبة الى الملفات السياسية في المنطقة .
وتعتقد المصادر أن الإدارة الأميركية قد نجحت في التوصّل الى اتفاق مع الكونغرس على مبدأ فرض عقوبات مؤجلة التنفيذ على طهران لمدة ستة أشهر ، مع إعطائها سلطة رفع العقوبات تلقائيا عنها ، اذا تبين لها انها التزمت تطبيق الإتفاق النووي بحذافيره . وهذا ما خرج به وزير الخارجية الأميركي جون كيري من جلستيه مع مجلسي الشيوخ والنواب قبل يومين .
في المقابل، تُبدي أوساط المعارضة السورية في واشنطن خشيتها من ان تكون تصريحات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق دان حالوتس بأن تل أبيب تفضل بقاء حكم الرئيس السوري بشار الأسد، لأن البديل في الوقت الحالي هو تنظيمات الجهاد العالمي مثل تنظيم”القاعدة” ، تأتي في سياق “صفقة” سياسية كبرى على حساب تضحيات الشعب السوري .
وتعتبر هذه الأوساط أن غضّ النظر عن الدور الذي تلعبه إيران وجماعاتها في “الإنتصارات” التي يحققها النظام في هذه المرحلة ، معطوفاُ على “تواطؤ” ضمني بتنسيق مع النظام نفسه لإنهاء ظاهرة “الجيش الحر” ، ليسا أكثر من وصفة مسمومة لإطالة أمد النزاع في سوريا الى أطول مدة ممكنة كي يُصار بعدها الى ترصيد حسابات الربح والخسارة ، في ميزان القوى الدولية والإقليمية .
وتتساءل تلك الأوساط : “كيف يُمكن إعادة توحيد سوريا بعد اليوم ، وما هي المصلحة من تأبيد النزاع فيها او في دول الجوار خصوصاً في لبنان ، اذا كان الجميع ينتظر ما ستسفر عنه التناقضات التي بدأت تندلع بين أركان النظام الإيراني نفسه او مع أطرافه ، مع بدء انهيار “فزاعة” العدو الخارجي المتمثل بالشيطانين الأكبر والأصغر” ؟

السابق
مقتل حسان اللقيس في عيون الإسرائيليين: الصيد ثمين… ربما قتلناه نحن
التالي
«الشرق الأوسط»: الرياض مقراً للقيادة العسكرية الموحدة لدول المجلس