النبطية: مدينة من خوف.. والسياسة فيها شائعات

تعيش مدينة النبطية على الشائعات. محورها الخوف من "السوري". اعتقالات في صفوف النازحين السوريين بشكل يومي، وإفراج عنهم لاحقا لعدم ثبوت صحّة الشائعات. والمدينة تعيش حجيما أمنيا، وفراغا إجتماعيا، ومنحدرا اقتصاديا تعوّضه أموال المغتربين ولوئح القبض التابعة لحزب الله، وتعيش في وادٍ سياسي عميق مع غياب "الاعتراض" وتبعية "اليسار" لحزب الله وأمواله

يكاد لا يمرّ يوم في مدينة النبطية دون سريان شائعة أو أكثر تنتشر على ألسنة الأهالي تجعلهم قلقين وفي حالة ترقب مستمرّ. أما مواضيع تلك الإشاعات فهي ما تعيشه وتكابده يومياتنا، أبرزها الخوف من تفجيرات وعمليات تخريب، إضافة إلى توقّع الإعلان عن عدد من الشهداء العائدين من سوريا، ممن لم تعلن أسماؤهم بعد.

قبل أيام سرت شائعة في مدينة النبطية تتحدث عن دخول سيارة مفخّخة قد تنفجر داخل المدينة في أي لحظة. تبعتها شائعة ثانية عن امرأة سورية تلبس عباءة مزنّرة بحزام ناسف. في الحالتين إصرار على استهداف النازحين والمقيمين السوريين. فدائماً يقال إنّ فلاناً، وهو أحد العمال السوريين، تبيّن أنّه يعمل مع “الجيش السوري الحر” أو “جبهة النصرة”، وأنه يقوم بمراقبة أحد مسؤولي حزب الله وبعمليات “تجسّس”، وما شابه من شائعات سرعان ما يتبيّن عدم صحّتها، لكن دون جدوى.

يقول أحد الناشطين في جمعية شبابية بالمدينة إنّ “الشائعات باتت واقعاً حقيقياً في النبطية، وأصبح أكثر الناس لا يصدّق نفي أحد المسؤولين الرسميين أو الحزبيين لشائعة ما، فالمقولة السائدة بينهم أنّ حزب الله والأمنيين لا يريدون لجمهور المدينة أن يعلم”، وباعتقاد الناس أنّ الحزب “يكتشف العبوات والشبكات التخريبية قبل التنفيذ ويبقي الأمر سرّاً كي لا يثير القلق والخوف بين الأهالي”.

أما بالنسبة الى العلاقة مع السوريين، فيتابع الناشط: “تصاعد الخوف منهم مع اشتداد المعارك في سوريا والتفجيرات التي حصلت في بيروت وضاحيتها، والسوريون خائفون”. ويؤكّد أنّه “في معظم الأحيان يعتقل بعضهم ويفرج عنه بعد أيام، ومنهم من يبعد عن المدينة بشكل نهائي”. ويستطرد: “خفّت الاعتقالات في صفوفهم بعد “غربلتهم”، وأصبح يعرف منهم من هو الموالي ومن هو المعارض للنظام الأسدي”.

بالنسبة لنشاط المجتمع المدني يقول محدّثنا: “الناس أصبح موضوعها الأساسي سياسياً بامتياز، ما عادوا يكترثون بمفاهيم الحريات والديمقراطية وغيرها من الأفكار، الشباب يريدون الحديث عن الواقع السياسي المرّ، عن المعركة في سوريا، عن قتال حزب الله، عن عدد الشهداء العائدين في توابيت، الذين لا يعرف عددهم بعد، عن التكفيريين السلفيين من هم وماذا يريدون منّا نحن الشيعة، وغيرها من الأفكار التي تشكل هواجس شعبنا في الوقت الحالي”.

أما المستقلّون في النبطية فيتحدّثون عن غياب قوى فاعلة مستقلة حالياً. فبرأيهم بات اليسار غير مستقل فعلياً، وهو في تضاؤل ويمثل بقايا الحزب الشيوعي اللبناني. ومناصرو “الشيوعي” يتبنّون رأي حزب الله وطروحاته الداخلية والخارجية دون أي تمايز سوى في التعريف أنهم من الجيل السابق. أي ممن تركوا اليسار وباتوا يعرّفون أنفسهم في المنتديات الاجتماعية على أنّهم “علمانيون” ولكن أيضاً مع تبني الطروحات السياسية المعلنة للطائفة الشيعية بالكامل.

هكذا يبدو أنّ الحياة السياسية ميّتة في النبطية. والحياة الاجتماعية قلقة على مصير شبان المدينة المقاتلين في سوريا. والمدينة التي تعيش على الشائعات باتت أسيرتها. خصوصا أنّ الريعيّة هي السائدة، لأنّ الأموال الآتية من المغتربين ورواتب المتفرّغين في “حزب الله”، من مقاتلين وغيرهم، إضافة إلى مشاريع الحزب المزدهرة في المنطقة ككل، كلّها كافية لردم الهوّة الاقتصادية التي كانت البطالة وانعدام المشاريع السياحية من أبرز أسباب نشوئها. بالطبع من دون ردم المنحدر الاجتماعي، والوادي السياسي العميق.

السابق
آخر التطورات الميدانيّة في سوريا: المعارك داخل لـ«النبك»
التالي
قوة القصة، سحرها وبريقها الدائم