التكفيريون عدو حزب الله الجديد!

يصرف “حزب الله” اليوم جهداً لافتاً لتعبئة شارعه ضد عدوه الجديد “التكفيريين”. بهذه العداوة يسوّق مبررات زج الشباب الشيعي في أتون القتال في سوريا. وبسببها يتجاوز الدولة في لبنان ويفتح على حسابه أمناً ذاتياً (لم ينته إلى اليوم). ومن خلالها يهدر دم المخالفين، أينما كانوا ومهما قالوا… عدو “حزب الله” الجديد يستحق أن يُدرس؛ فآثار الحرب عليه لا تقتصر على من يخوضها، وإنما على لبنان والمنطقة بأسرها!
من يعني “حزب الله” بالتكفيريين؟ كيف يصنفهم؟ وكيف يتعامل معهم؟
بطبيعة الحال ليس المقصود بالتكفيريين أتباع دين معين يعتقدون أنه الحق، وما عداه اعتقاد باطل؛ فكل ملة تعتز بمعتقدها وترى أنه الصواب وما عداه مرفوض يُكنى عنه ديانةً بالكفر. يسري هذا الأمر على اليهودية والمسيحية والإسلام والديانات كافة… إنما المقصود بالتكفير نزع الإيمان عن فرد أو جماعة من الدين نفسه، وهذا الأمر خطير جداً؛ ففي الإسلام اعتبار المسلم كافراً كقتله تماماً، ولهذا السبب فقد اعتبر الفقهاء المسلمون أن “التكفير في الدين هو حكم شرعي لا يصدر إلا عن قاضٍ ذي صفة”، وعلى القاضي أن يتبين ويبين حقيقة الفعل أو القول، ويراجع المعني بالأمر ألف مرة قبل أن يعتبره كافراً.
وعليه؛ فإن التكفيري هو من يستسهل اعتبار فرد أو جماعة من المسلمين كفاراً، وهذا الأمر موجود للأسف، وله مستندات في متون الكتب ولدى علماء معاصرين من السنة والشيعة. يسري هذا الأمر على جماعات سنية متشددة، كما يسري على “حزب الله” نفسه، والتكفير لدى هذا الحزب بالذات غير مقتصر على تكفير أفراد أو جماعات معاصرة، وإنما على تكفير أَعلامٍ وطوائفَ غابرة!
إذاً؛ ليس هذا هو مقصود “حزب الله” بالتكفيريين. المقصود هو المعنى السياسي للمصطلح، بدليل أن للحزب علاقات وطيدة بإسلاميين لا تختلف عقيدتهم عن الإسلاميين الآخرين الذين يعتبرهم الحزب تكفيريين، سوى أن هؤلاء (الذين لا يعتبرهم تكفيريين) يناصرون المشروع السياسي للحزب. وأكثر من ذلك؛ فقد شهدنا في الآونة الأخيرة أن الحزب يدافع عن إسلاميين متورطين بجرائم إرهابية موصوفة، كما في تفجير المسجدين في طرابلس، ويعتبرهم مقاومين، فيما يعتبر خصومهم، لمجرد عدائهم له، تكفيريين!
نستنتج مما سبق أن التكفيريين وفق “حزب الله” هم: الإسلاميون السنة الذين يناصبون مشروع “حزب الله” العداء. ثمة فئات فاضحة في هذا المجال. على سبيل المثال لا الحصر، أضاف “حزب الله” إلى لائحة التكفيريين “بعض” رموز وقيادات “الأخوان المسلمين” (العلامة القرضاوي مثلاً)، فيما التعبئة في قواعده حامية على “الأخوان المسلمين” جميعهم؛ قيادات وأفراداً وتنظيمات. هذه الفئة من المسلمين كانت للأمس القريب على علاقة جيدة بالحزب ولم تكن تكفيرية بنظره، لكنها أصبحت كذلك مؤخراً، لدرجة أن إحدى الصحف القريبة جداً من الحزب لم تتورع عن شتم أحد قياديي حركة “حماس” ووصفه بالتكفيري، لأنه رد بمقال على حملة هذه الصحيفة على موقف “حماس” مما يجري في سوريا!
في إطار حملته على التكفيريين لم يعد الحزب يتورع في تسمية عدوه؛ الوهابية والسلفية (من دون تمييز بين السلفية الجهادية والسلفية العلمية)، والأسيرية (يقصد فيها أنصار الشيخ أحمد الأسير)، و”الأخوان المسلمين”، وهؤلاء جميعهم يشكلون السواد الأعظم من الإسلاميين في لبنان (فضلاً عن اعتبار الحزب الثوار السوريين تكفيريين من دون تمييز بينهم). إعلام الحزب وناطقوه وجدران كثيرٍ من الشوارع في مناطق نفوذه تخبر عن حجم التعبئة التي تكاد تفجر لبنان والمنطقة، باعتبار أن جرم اعتبار المسلم تكفيرياً لا تقل عن جرم اتباع النهج التكفيري نفسه، وفي الإسلام من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما؛ إما أن يكون الموصوف بالكفر كافراً فعلاً عند الله، وإما أن يكون من نعته بذلك مفترياً وبالتالي هو بحكم الكافر عند الله!
يتضح مما سبق أن وصف الخصم بالتكفيري لدى الحزب أو على الأقل إعلان ذلك – أمر يرتبط بالسياسة أولاً، ولعل توتر العلاقات بشدة مؤخراً بين الحزب ورعاته الإقليميين مع المملكة العربية السعودية، وإدانة السواد الأعظم من المسلمين تدخل الحزب العسكري في سوريا، وحاجة الحزب إلى تخويف الأقليات الدينية من الإسلاميين السنة، وإيراد مبررات لتسويغ مشاركته في القتال إلى جانب نظام الأسد… كل ذلك شكّل أسباباً دافعة لإطلاق الحملة على التكفيريين كعدو أول للحزب هذه الأيام؛ وإلا فإن الأمين العام للحزب نفسه وفي أعتى الهجمات على الشيعة في العراق كان يتجنب مهاجمة “التكفيريين”، بل إن قيادات بارزة في الحزب كانت على علاقة مباشرة أو غير مباشرة بقيادات في “القاعدة”، ومعلوم أن إيران نفسها احتضنت في فترة معينة قيادات “القاعدة”، وأن نظام بشار الأسد الحليف للحزب سهّل وصول “التكفيريين” إلى العراق، ما دفع حكومة نوري المالكي (الحليف للحزب أيضاً) في العام 2009 الى المطالبة “بمحاكمة النظام السوري في محكمة دولية ومعاقبته على دعمه للإرهاب” (حديث وزير خارجية العراق هوشيار زيباري للصحافي غسان شربل في “الحياة” 14/11/2013).
وللأسف الشديد، فإنه في الوقت الذي يعلن فيه السيد حسن نصر الله أن “إسرائيل سعيدة اليوم بما يجري في عالمينا العربي والإسلامي من تقاتل وصراعات قائمة بين الدول وفي داخل كل مجتمع”، فإنه من حيث يدري أو لا يدري- يقدم هذه السعادة للعدو الإسرائيلي، لأن تعبئته المذهبية تحت شعار “الحرب على التكفيريين” لا تعني إلا حرباً مذهبية طويلة وشنيعة، لن تقتصر على سوريا ولبنان، والأنكى أنها بدأت تأخذ غير المسلمين في طريقها، باعتبار أن التعبئة على التكفيريين وفق تصنيف “حزب الله” السابق شرحه – تتضمن شقاً مهماً؛ وهو أن هؤلاء أعداء لبقية الأديان، وتالياً فإن تجنيد المسيحيين -على سبيل المثال – ضد الإسلاميين السنة (أعداء الحزب)، سوف يمد ألسنة النار إليهم، باعتبارهم صاروا جزءاً من هذه الحرب المذهبية.
ترى هل يمكن للحزب اليوم أن يشرح للرأي العام كيف يميز مقاتلوه عندما يقصفون المناطق الثائرة في سوريا بين من يحمل فكراً تكفيرياً وبين من يحمل فكراً غير تكفيري (علماني أو حتى إلحادي)؟ هل يمكنه أن يشرح للرأي العام شريطاً من بضع ثوانٍ يصرخ فيه أحد مقاتلي الحزب وهو يقصف من مدفع ثقيل أهل درعا (المحتلة اليوم من الحزب): “الله يلعنكم يا بني أمية”؟!
وهل بمقدوره قبل ذلك أن يخبرنا بموجب أي وكالة ذهب مقاتلوه إلى سوريا؟ وأهم من ذلك كله؛ سؤال بالغ الخطورة: إذا كان مبرر ذهاب “حزب الله” إلى سوريا هو قتال “التكفيريين” لئلا يأتوا إلى لبنان، ألا يعني ذلك من باب أولى؛ أنه يستعد لقتال “التكفيريين” في لبنان (قال ميشال عون قبل أيام: إن طرابلس واقعة تحت سيطرة التكفيريين)، ماذا يعني ذلك غير الحرب الأهلية؟!

السابق
جولة غير موفقة لبيبر في الأرجنتين
التالي
انفجار قرب السفارة الايرانية في بيروت