صفعتان للمعارضة السورية

احتلت الصفعة التي وجهها السيد احمد الجربا رئيس الائتلاف الوطني السوري الى وجه السيد لؤي المقداد رئيس كتلة الجيش السوري الحر بالائتلاف نفسه اثناء اللقاء والاخير في اسطنبول العناوين الرئيسية في الصحف ونشرات التلفزة العربية، وبعض العالمية، لكن صفعة ثانية كانت اقوى واكثر ايلاما كانت موجهة الى الاثنين معا، والائتلاف برمته بشكل عام مرت مرور الكرام دون ان يتوقف عندها الا بعض المراقبين محدودي العدد.

فبعد ساعات من تشكيل السيد احمد طعمة رئيس الوزراء “المنتخب” المكلف لوزارة من تسع وزراء لادارة المناطق “المحررة” التي تسيطر عليها المعارضة، اعلن الاكراد تشكيل ادارة مدنية انتقالية بعد مشاورات جرت في مدينة القامشلي ذات الغالبية الكردية تمخضت عن تقسيم المنطقة الكردية في شمال غرب سورية وشمال شرقها، الى ثلاث محافظات لكل منها مجلسها المحلي الخاص بها.

وذكر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي القوة المهيمنة على المناطق الكردية في سورية على موقعه الالكتروني تشكيل مجلس يضم 82 عضوا من بينهم اكراد وعرب وكذلك اعضاء ينتمون للاقلية المسيحية والشيشانية في المنطقة.

الى هنا والامر ربما يكون عاديا عند البعض لان هذه الاماكن الكردية الخارجة عن سيطرة الحكومة المركزية تحتاج الى ادارة تنظم شؤونها البلدية والخدماتية، لكن ما هو غير عادي، ويثير القلق والريبة، هو ما صرح به السيد حسين شاويش من حركة “من اجل مجتمع ديمقراطي” المتحالفة مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بانه ستكون هناك ادارة مؤقتة لادارة شؤون المنطقة، وان وحدات حماية الشعب، وقوات الامن الكردية (اسايش) او “بشمرغة” بمعنى آخر، ستخضع لسيطرة الادارة الجديدة.

صحيح ان السيد شاويش اكد “ان هذا يجري في اطار الوحدة السورية وليس خارجها، ولكن الصحيح ايضا ان الحكم الذاتي في شمال العراق الذي تحول تدريجيا الى دولة، لم يبق غير اعلان استقلالها فقط حين تتوفر الظروف الاقليمية والدولية الملائمة، بدأ كادارة محلية وتدرج حتى وصل الى ما وصل اليه حاليا.

ومن المفارقة ايضا ان المكتب التنفيذي (مجلس الوزراء) في حكومة اقليم برقة الليبي، اقدم في الوقت نفسه على بدء خطواته الانفصالية، واسس ميليشيا وشكل حكومة، ورسّم الحدود، وقسم الاقليم الى محافظات، بل واقام شركة نفط خاصة به، وبدأ يتعاقد مع شركات نفطية عالمية للتصدير من الآبار التي تسيطر عليها ميليشياته، وتنتج اكثر من ستين في المئة من مجموع الانتاج الليبي الذي كان يصل الى حوالي مليون ونصف المليون برميل قبل اطاحة نظام العقيد معمر القذافي.

نحن الآن امام وزارتين في “سورية المعارضة”، الاولى تابعة للائتلاف الوطني، والثانية للتحالف الكردي، و”الوزارتان” تريدان ادارة المناطق نفسها، وتقديم الخدمات للسكان، فهل سيسمح الاكراد للائتلاف الوطني وحكومته، باعتباره البديل للحكومة المركزية، بالقيام بمهامه “السيادية” في هذا الصدد؟

ثم ما هو موقف الجماعات الاسلامية الجهادية المقاتلة على الارض من هاتين “الوزارتين” وهل ستخضع لسيطرتهما مثلا، وتسهل مهامها، ام انها ستشق عصا الطاعة، وتواصل حربها ضدهما؟

الاجابة جاءت اسرع مما توقعنا، فقد اعتبر الائتلاف حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يعتبر العمود الفقري، والمحرك الرئيسي الذي شكل الادارة الكردية “تنظيما معاديا للثورة السورية”، وقال في بيان ان هذه الادارة “تمثل تحركا” انفصاليا يفصم اي علاقة بالتنظيم بالشعب السوري المناضل للوصول الى دولة سورية موحدة، مستقلة، حرة، خالية من الاستبداد، وذات سيادة مطلقة على اراضيها”.

لا نعرف، وفي ظل هذه المتاهة، كيف سيعقد مؤتمر جنيف، ومن سيمثل المعارضة فيه، ثم كيف سيتم التوصل الى حل سلمي سياسي للازمة، والاهم من كل ذلك كيف ستكون سورية اثناء المرحلة الانتقالية او بعدها؟ المخطط القديم الجديد، الذي وضعه الفرنسيون لاقامة ثلاثة كيانات سنية وعلوية وكردية بات يتبلور على الارض تدريجيا، وسيشكل نموذجا يطبق في دول عربية اخرى في اطار الشرق الاوسط الجديد.

فاذا كان النظام السوري الحاكم نظاما ديكتاتوريا يضطهد شعبه، فلماذا لا تقدم لنا المعارضة السورية المدعومة من الغرب، والدول “الديمقراطية” العربية، النموذج الافضل في التعايش بعيدا عن التقسيمات الطائفية والعرقية، وبعيدا ايضا عن “الحوار بالصفعات”!

السابق
الامم المتحدة تدعو الى مساعدة ضحايا اعصار الفيليبين
التالي
عندما يخاف أوباما من إيران!