الجمهورية: جمعة غامضة في طرابلس

كتبت “الجمهورية ” تقول:  في انتظار انكشاح الضباب الذي يلفّ الشرق الأوسط، ونجاح المحاولات الأميركية لعقد مؤتمر جنيف ـ 2 الذي أعلن وزير الخارجية جون كيري أنّ موعده سيُحدّد خلال الأيّام المقبلة، يبقى لبنان أسير العواصف الإقليمية، وتتّجه الأنظار مجدّداً إلى طرابلس بعد الاعتداء الجديد على مواطنين من جبل محسن واستدعاء القضاء العسكري رئيس “الحزب العربي الديموقراطي” النائب السابق علي عيد للاستجواب الثلثاء المقبل في ملفّ تفجيرَي المسجدين في المدينة، فيما اعتبر “حزب الله” أنّ “المتورّطين في التنكيل والاعتداء على أهالي جبل محسن يحظون بمظلّة زرقاء تحميهم من الملاحقة ومن أيّ مذكّرة قضائية”، معتبراً “أنّ حصارهم لجبل محسن، ظنّاً منهم بأنّ “الحزب” سينسحب من سوريا أو يغيِّر موقفه من النظام، هو دليل إفلاس”، مُتّهماً تيّار “المستقبل” بـ”تقديم التسهيلات والدعم للمسلّحين في سوريا، وبتبنّي الإرهابيّين التكفيريين”.
وفي هذه الأجواء، وصل أمس إلى بيروت مسؤول رفيع المستوى في الخارجية الاميركية في ظروف قد تكون سرّية. وقالت المعلومات إنّ هذا المسؤول عقد فور وصوله لقاءً مع فريق عمله، على أن يلتقي اليوم رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي، وستشمل لقاءآته مسؤولين آخرين.

تحضيرات للقمّة
وذكرت مصادر رسمية أنّ الإتصالات التي جرت في الفترة الأخيرة توصّلت في ساعة متقدّمة من مساء أمس الأربعاء إلى ترتيب موعد القمّة اللبنانية ـ السعودية الإثنين المقبل بين سليمان وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.وقالت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية” إنّ تحديد جدول أعمال القمّة سيبدأ اليوم في إتصالات بين الديوان الملكي السعودي والقصر الجمهوري.
ولفتت الى انّ الظروف الإقليمية دقيقة ولا بدّ من إحتساب الخطوات الممكنة بدقّة متناهية، لأنّ العلاقات بين الأنظمة العربية وما فرضته الأزمة السورية من مواقف على الأطراف تفرض التأنّي في إختيار الملفات التي يمكن البحث فيها وتلك التي يمكن تأجيلها، خصوصاً أنّ الأولويات معروفة، ولا يحتاج تحديدها إلى جهود كثيرة، وأنّ الأهم ان تكون الظروف متوافرة لتأمين مصالح البلدين ومصلحة العالم العربي في ظلّ ما يشهده من أزمات في عدد من دوله.
وتوقّعت المصادر أن يكون للحملات المتبادلة بين المملكة وأطراف لبنانية نصيبها من البحث في القمّة، على قاعدة أنّ المواقف الرسمية هي غير تلك التي فرضتها ظروف إقليمية دقيقة وحجمُ تورّط اللبنانيين في الأزمة السورية وتداعياته التي لم تحتسب بالدقّة المطلوبة.
وكان سليمان شدّد أمس على وجوب “تصويب خياراتنا السياسية على أساس “إعلان بعبدا”، وهي يجب أن تؤدّي إلى إعادة علاقاتنا الدولية الى سابق عهدها واستعادة تدفّق الاستثمارات والسيّاح، ووضعِ حدّ للفساد والتعطيل الاداري والدستوري، وتجميع عناصر القوّة والقدرات الوطنية في استراتيجية وطنية واحدة للدفاع عن لبنان ومنع خروقات العدوّ بكلّ اشكالها، ولا سيّما منها اعمال التجسّس التي يقوم بها، كذلك يجب ان لا توفّر الذرائع لتنامي البيئات الحاضنة للإرهاب والتكفير، ولا تورّط لبنان في لعبة الامم وصراعاتها.

سلام والتأليف
في هذا الوقت، نقل زوّار المصيطبة عن الرئيس المكلّف تمّام سلام قراءته الواضحة للصعوبات التي تعترض تأليف الحكومة، وإصراره على متابعة جهوده لتأليفها، مشيراً إلى أنّ الناس يطالبونه بعدم الاعتذار. وتجنّب تحميل المسؤوليّات “لأنّ ذلك لا يفيد الآن”، مشدّداً على أنّ الجميع يتحمّل المسؤولية، ولكن على نحو متفاوت.
وقال سلام لزوّاره: “لقد وضعتُ معايير التأليف منذ اللحظة الأولى، والتزمتها، ولن أغيّر موقفي، إلّا إذا حصل إجماع على أيّ صيغة، عندها لن أقف في وجه هذا الإجماع”. وأضاف: “تعرّضتُ لحملات التجنّي والتجريح، ولم أردّ لكي لا أحقّق هدف أيّ كان باستدراجٍ للمهاترات، وسأبقى على هذا السلوك حتى استكمال المهمّة”.
وأشار الى انّه “كلّما اقترب الاستحقاق الرئاسي، شعر المخلصون بخطورة الفراغ، وبالتالي سيكون تأليف الحكومة ضرورة ماسّة، لأنّ البلاد لم تعد تتحمّل”. وأبدى سلام تفاؤله بزيارة سليمان للسعودية، وقال: “ننتظر منها خيراً”.
كما أبدى ارتياحَه إلى بقاء النائب وليد جنبلاط، في “الوسطية”، “فهو حريص على وسطيته، وأعتقد أنّ تسمية كتلته النيابية لي لتأليف الحكومة هي إحدى وجوه هذه الوسطية”.

برّي وميقاتي
ورفض رئيس مجلس النواب نبيه بري الردّ على ميقاتي، ونقل زوّاره عنه تمسّكه بالجلسة التشريعية وجدول اعمالها، مؤكّداً “من يحضر يحضر”.
وعلمت “الجمهورية” أنّ خطوط التواصل مفتوحة بين ميقاتي والوزير علي حسن خليل المعاون السياسي لبرّي، وسجّل في هذا الإطار اتصال هاتفي بينهما أمس.

شكوى ضدّ إسرائيل
من جهة ثانية، علمت “الجمهورية” أنّ لبنان سيتقدّم بشكوى ضدّ إسرائيل في مجلس الأمن بسبب ما تقيمه على الحدود الجنوبية من محطات تنصّت وتجسّس على لبنان، وإنّ هذه الشكوى ستُرفع في ضوء تقرير لجنة الاتصالات النيابية التي ستجتمع الاثنين المقبل.

“الحزب” و”14 آذار”
إلى ذلك، وفيما تفاعل كلام مسؤولي “حزب الله” وعدد من قياديّيه، وتهديداتهم لقوى 14 آذار، وصفت كتلة “الوفاء للمقاومة” كلام وزير الخارجية الأميركي في الرياض حول الحزب ودوره في مستقبل لبنان، بأنّه “تدخّل وقِح مرفوض ومُدان، نضعه برسم أدعياء السيادة، ونعتبر أنّ موقفهم من أصل صدور هذا الكلام الأميركي سيكون مقتضى كافياً للبناء عليه شكلاً ومضمونا”.

شمعون
وعاب رئيس حزب الوطنيين الأحرار النائب دوري شمعون “على شخص يدّعي أنّه يمثّل الشعب اللبناني في مجلس النوّاب أن لا يحترم الآخرين بل يلجأ إلى تهديدهم”. وقال شمعون لـ”الجمهورية”: إنّ رعد فقد أعصابه، وكلامه الأخير دليل إفلاس وضعف وعدم ثقة بالنفس”. وإذ رأى أنّ “حزب الله” ليس مرتاحاً إلى وضعه، سأل، أين انتصر؟
إذا كان انتصاره في لبنان، فهل نسي العبارة الشهيرة للأمين العام السيّد حسن نصر الله في حرب تمّوز “لو كنت أعلم أنّ ردّة فعل إسرائيل ستكون بهذا العنف لما كنت خطفت جنودها؟” أم انتصر في سوريا؟ وقال: “إنّ الأرض تميد تحتهم، وعليهم الإنسحاب من هناك، وإذا أرادوا فعلاً أن يسجّلوا انتصاراً فليذهبوا إلى الجولان لتحريره، لا أن يتسبّبوا بحرب طائفية في سوريا”.
وجدّد شمعون دعوته لبنان إلى اعتماد سياسة الحياد عن كلّ النزاعات في المنطقة لكي لا نتسبّب بإغراقه في مزيد من مطبّاتٍ هو في غنىً عنها”.
من جهته، أكّد منسّق الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق الدكتور فارس سعيد من معراب “أنّ النبرة العالية في كلام “حزب الله” لا تخيف أحداً”، ودعاه الى “قراءة تاريخ البلد وتاريخنا نحن بالتحديد الذي برهن أنّنا لا نتراجع أمام النبرة العالية التي لن تُغيّر الأوضاع”.
وعزا سعيد “نبرة الحزب العالية الى الخوف الذي يتملّكه في اعتبار أنّ “القبضاي” والمنتصر فعلاً غير مضطر إلى رفع الصوت، إذ إنّ هذه النبرة العالية لا تُستخدم إلّا في حال إخفاء العجز والخوف”.

“التكتّل” و”المستقبل”
في غضون ذلك، خيّمت أجواء إيجابية وصريحة على لقاء تكتّل “الإصلاح والتغيير” وكتلة “المستقبل”، الذي انعقد في ساحة النجمة، لكنّ التباين في وجهات النظر حول بعض المواضيع، ولا سيّما منها مشاركة “حزب الله” في الحرب الدائرة في سوريا ظلّ قائماً.
وشدّد النائب إبراهيم كنعان على أهمّية فصل تفعيل المؤسّسات عمّا يجري في سوريا، متمنّياً التمكّن من “البناء في المستقبل على هذه الأفكار”. ودعا إلى فصل الأولويات اللبنانية عن المسألة السورية، موضحاً أنّه “لم يحصل أيّ اتفاقات على أيّ من المواضيع، إنّما كان هناك سعي إلى التلاقي والتواصل”.
أمّا نائب رئيس كتلة “المستقبل” النائب عاطف مجدلاني فأكّد “أنّ اللقاء كان إيجابيّاً وصريحاً وجدّياً، ويؤسس لقواسم مشتركة تصبّ في مصلحة لبنان واللبنانيين”.
وأشار إلى انّ الكتلة “أكّدت ضرورة انسحاب “حزب الله” من سوريا”. وشدّدت على “ضرورة التزام “إعلان بعبدا” وتحييد لبنان عن الصراعات. ولفت إلى أنّ “تدخّل الحزب في سوريا أدّى إلى استجرار النار السورية إلى الداخل اللبناني عبر التفجيرات الإرهابية والمواجهات المسلّحة”، معلناً “التوافق” على نقاط عدّة.
وذكرت مصادر التكتّل لـ”الجمهورية” أنّ مصارحة جرت في كلّ القضايا، وتلاقى الطرفان على العناوين العريضة، كموضوع بناء الدولة والحفاظ على المؤسّسات، لكنّهما يحاولان الوصول الى اتّفاق حول السبل الآيلة الى تحقيق هذه الأهداف، وتحديداً في مسألة استعادة المؤسّسات الدستورية دورها وحيويتها بعيداً من الأزمة السورية والتداخلات اللبنانية والاصطفافات الداخلية في لبنان.
وعن الخلاف مع “المستقبل” حول مشاركة “حزب الله” في القتال الدائر في سوريا، شدّدت المصادر على أنّه “مهما كانت وجهة نظر “المستقبل” في هذا الموضوع، فيجب ان لا تعطل المؤسسات الدستورية، لأنّ الأزمة قد تستمرّ أشهراً وسنوات، فماذا نفعل عندئذ بالحكومة وبرئاسة الجمهورية وبعمل المجلس النيابي؟”
من جهة أُخرى عُلم مساءً أنّ نواب التيار “الوطني الحر” تبلّغوا من برّي أسماء أعضاء كتلة “التحرير والتنمية”، وهم غازي زعيتر وعلي بزّي وهاني قبيسي، للحوار مع “التيار”، والذي اتّفق عليه بين الطرفين في لقاء عين التينة، في الآونة الأخيرة.

أمن طرابلس
وعشيّة “الجمعة الغامضة” في طرابلس، حسب ما سمّاها مرجع أمنيّ لـ”الجمهورية”، ارتفع منسوب الإهتمام الرسمي بما يمكن حصوله، وأعلن عن تدابير أمنية إستثنائية بوشر تطبيقها منذ ليل امس للإمساك بأمن المدينة ووقف ايّ مغامرة يمكن الطرابلسيون من هذه المنطقة أو تلك ان ينقادوا اليها، في اعتبار انّ وزارة الداخلية لم ترخّص بالتظاهر لأيّ من الطرفين.
وقالت مراجع معنية إنّ ما هو مسموح به هو التجمّعات داخل المساجد عند صلاة الظهر، وإنّ ايّ مشروع للتجمّع او للتظاهر خارج حرمها سيُعتبر مخالفاً للقوانين، وقد اعطِيت الأوامر الى القوى الأمنية للتشدّد، أيّاً تكن النتائج، من دون تمييز بين بعل محسن وباب التبانة وغيرهما من المناطق، وستكون طرابلس بعد التعزيزات التي شهدتها ليل امس، قلعة أمنية يصعب اختراقها، وكلّ من سيحاول سيرى ما ينتظره.
وقد سبق هذه الخطة زيارة وزير الداخلية مروان شربل لطرابلس موفداً من سليمان الذي التقاه قبيل توجّهه اليها، وبقي على تواصل مستمرّ مع رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي. وترأّس شربل في طرابلس اجتماعين: الأوّل في منزل المفتي مالك الشعّار، في حضور سياسي وديني شارك فيه للمرّة الأولى من يمثّل ما يسمّى “قادة المحاور” من رجال دين وأمنيين سابقين، والثاني اجتماع أمنيّ عقد في سراي طرابلس، وُضعت خلاله اللمسات الأخيرة على الخطة الإستثنائية التي ستطبّق اليوم. وتجدر الإشارة الى انّ التحضيرات لإعداد عريضة تطالب بـ”حلّ الحزب العربي الديموقراطي ومحاكمة المجرمين”، قد أُنجزت، وسيبدأ توقيعها عصر غد السبت في مركز أُحدِث قرب مسجد السلام.

عودة الإضرابات المدرسية
على صعيد آخر، تجدّد أمس هاجس الإضرابات، مع صدور توصية عن نقابة المعلّمين في لبنان تدعو الى تنفيذ الإضراب في المدارس الخاصة الثلثاء في 26 من الجاري، بغية الضغط لإقرار مشروع سلسلة الرتب والرواتب. وانتقدت النقابة في بيان التأخير الحاصل في بتّ هذا المشروع وتمادي اللجنة النيابية الفرعية المكلّفة درسه في البحث فيه.
ودعت النقابة الجمعيات العمومية للمعلّمين الى الإنعقاد في بيروت والمحافظات يوم الاثنين المقبل لمناقشة التوصية بتنفيذ الإضراب وإقرارها “من اجل إقرار السلسلة على اساس الاتفاقات والتعهّدات، ووفق بنود المذكّرة المقدّمة الى اللجنة النيابية الفرعية، ومن دون فرض ضرائب على الفقراء، ومن أجل إعادة العمل في مؤسّسات الدولة الدستورية المشلولة”.
التعليقات

السابق
الأخبار: حزب الله يخشى تهوّر 14 آذار
التالي
البناء: أمن طرابلس على المحكّ اعتباراً من اليوم