عاشوراء ترهق أهالي الضاحية وتأسرهم

عاشوراء
عاشت الضاحية الثلاثاء يوما أمنيا طويلا ومرهقا لسكانها بفعل إجراءات التفتيش وتحويل الطرق، التي جعلت أرتالا من السيارات تقف بلا حراك منتظرة دورها، فتأخر الطلاب والعمال والموظفون في العودة الى منازلهم وزاد من المأساة أن الطرق الداخلية المحيطة بمجال العزاء كانت مقطوعة، فتصاعد التذمّر بدل دخان السيارات التي أطفأت محرّكاتها طويلا.
يوم الثلاثاء الفائت عرف سكان ضاحية بيروت الجنوبية معنى عبارة “جحيم السير”، فقد كان يوما قاسيا ومريرا، لم يسلم من جحيمه كل من حاذى الضاحية من راكبي السيارات أو حاول الدخول والخروج منها. وطريق المطار كان منذ الصباح  شاهدا على ضراوة هذا الازدحام، أما عصرا، وبعد قطع هذا الشريان الحيوي المؤدي الى مطار بيروت الدولي من مدخله الشمالي، وتحويل السير الى طرق أخرى، بسبب التحضير لتوافد المشاركين الى مجلس العزاء المركزي العاشورائي الذي يقيمه المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في مركزه على هذه الطريق، فقد حدث ما كان يخشى واستعر الجحيم الحقيقي، فعلت أصوات المحركات والزمامير طويلا، الى ان عمّ اليأس، فتوقفت عن السير كل ذوات عجلات أربع وأطفئت المحركات غضبا واحتجاجا.
وجبة الغداء التي كانت تنتظر الطلاب العائدين من مدارسهم تحوّلت الى عشاء، وسهر التلاميذ حتى منتصف الليل لإنهاء دروسهم وكتابة فروضهم المدرسيّة، أما الموظفون فقد عادوا مساء بسياراتهم وقد هدّهم التعب ونال منهم الجوع ، وبدأوا بإعداد خطط سير ليوم غد تقيهم شر سلوك طريق المطار واتباع مسالك أخرى عسى أن يكون الإزدحام فيها أقل حدّة، مع علمهم أن مداخل الضاحية الجنوبيّة كلها كانت أمس تعاني من اختناق مروري، وان أقل بدرجة من مداخلها الغربية المؤديّة الى طريق المطار.
فقد بدأت أمس القوى الأمنيّة الرسمية المنتشره في الضاحية الجنوبية لبيروت بتطبيق الخطّة الأمنيّة الخاصّة بعاشوراء. وأصبح التشدّد في إجراءات التفتيش والسؤال سيّد الموقف. فمنذ ان تسلّمت تلك القوى مهام حفظ الأمن من حزب الله قبل شهرين كان التساهل بتلك الإجراءات هو السائد: الكلّ يمرّ والتفتيش نادر، غير انه ومنذ صباح الثلاثاء تصطف مئات السيارات والفانات خلف كل حاجز أمني ويتزايد أعدادها ساعة بعد ساعة.
وقد زاد من أزمة السّير أن الاختناق المروري عمّ الشوارع الداخليّة للضاحية أيضا بفعل اجراءات قطع الطرق وتحويل السير التي ينفّذها شبان حزب الله، بالتعاون مع الجيش والقوى الأمنيّة حول مقرات مجالس عاشوراء التي يقيمها حزب الله وحركة أمل في الأحياء الدخلية لحارة حريك والغبيري والشياح وبرج البراجته وغيرها.
عناصر انضباط حزب الله يشغلون المفارق الداخلية جميعها إضافة الى عناصر أمنية تتواصل بأجهزة لاسلكي ظاهرة للعيان. واذا كان الأمن الذاتي اختفى قبل شهرين مع تسلّم القوى الأمنية التابعة للدولة الحواجز على مداخل الضاحية، فإن هذا الأمن يعود اليوم من باب الضرورة للحماية من التفجيرات التي يمكن أن تستهدف خيم عاشوراء والمواكب الحسينيّة. وهي عودة تبدو ناعمة خجولة، فلا سؤال ولا تفتيش، وتكتفي العناصر بالمراقبة عن بعد ومنع السيارات من الركن على جانبي الطريق.
أحد الأصدقاء، وهو من المقيمين تحت هذه الإجراءات يمازح قائلا إنّ “السيارة في هذه الأيام باتت عبئا علينا، لا إذا سرنا بها وصلنا دون تأخير ولا مسموح لنا أن نركنها أمام منازلنا”، ويكمل ساخرا بغضب: “قدرنا أن نعيش في سجن كبير هذه الأيام ولا نستطيع ان ننبس ببنت شفة لأن أمننا أهم، فمتفجّرة الرويس الأخيرة صدمتنا وروّعتنا، المهم ان لا يتكرر ما حدث”.
ثم أشار الصديق الى صورة أحد الشهداء الذين سقطوا في سوريا وقال: “ما كان أغنانا؟ ماذا جنينا من الحرب في سوريا غير قوافل الشهداء وأعمال التفجير التي تستهدفنا؟ انظر الى الشباب المستنفرين الذين يبحثون عن سيارة ملغومة أو انتحاري مجنون يفجر نفسه فينا انتقاما من تدخّل حزب الله في سوريا”.
يلوي صديقي “الحاج” رأسه لائما أصحاب القرار السياسي ويقول: “نقبل …على ألا يكون الآتي أعظم”!
السابق
ابي نصر: لاجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها
التالي
خطوات على طريق اصلاح عاشوراء