المثالثة مطبّقة ولو لم تقرّ!

حسان الرفاعي

لبنان لن يستقر إلا ” بقيام أحزاب وطنية وبجعل التعددية داخل كل مذهب أو طائفة إِذْ لا يمكن بناء وطن واحد موحد مع وجود وحدة داخل كل مذهب وكل طائفة”…هذا ما خلص إليه الأستاذ إميل خوري ضمن مقالته في عدد 4 حزيران 2013 من جريدة النهار بعدما سأل: “أي نظام يلائم تركيبة لبنان الدقيقة؟”.هذه المقالة والخلاصة التي وصل إليها صحافي كبير راقب عن كثب وكتب بأمانة عن الحياة السياسية في لبنان منذ سنوات الاستقلال الأولى، ذكرتني بما كتبته في مقالة نشرت بتاريخ 30 كانون الأول من سنة 2009 في جريدة النهار حيث ورد: “أدعو بصدق وبكل بساطة، وقبل أي إصلاح، إلى تظهير تعددية الرأي الحر لدى الطائفة الشيعية الكريمة… عندها سيسهل حل أمور عديدة وستنفرج التعقيدات الدستورية في البلاد… وسيصبح لنا موالاة فيها سنة وشيعة وموارنة ودروز. في مقابل معارضة هي أيضاً تضم أفراداً وزعماء فعليين من عين طوائف الموالاة… عندها سيصبح لبنان أشد مناعة وسيتبارى الساسة في الابتعاد عن خطاب التجييش الطائفي. عندها سيدرك اللبنانيون وحزب الله معهم أن الأكثرية هي دائماً أقوى من الاجماع التوافقي الهش والمفروض…”.أما سبب استعادة هذه الآراء حول أهمية التنوع داخل المذهب الواحد والطائفة الواحدة فيعود إلى ما لفتني عند تأملي في لائحة الترشيحات التي قُدِّمَت منذ أشهر قليلة للانتخابات النيابية التي كان يفترض إجراؤها في أيار سنة 2013، حيث أظهرت التالي:قُبِلَت ترشيحات 705 أشخاص من الطوائف والمذاهب كلها لملء 128 مقعداً نيابياً، أي بمعدل وطني عام للترشيحات هو 5.9 مرشح لكل مقعد.

في حين ترشح حول لبنان كلّه ما معدله: 6.6 مرشح لكل مقعد كاثوليكي 6.5 مرشح لكل مقعد سني 6.3 مرشح لكل مقعد أرثوذكسي 6.2مرشح لكل مقعد ماروني 5.2 مرشح لكل مقعد درز 4.3 مرشح لكل مقعد أرمني 3.6 مرشح لكل مقعد شيعي .

في التدقيق أكثر داخل لائحة الترشيحات لسنة 2013 وفي نتائج انتخابات سنة 2009 تبيّن التالي:

– معدل الترشيحات لدى الكاثوليك والسنة والأرثوذكس والموارنة هو متقارب جداً ويتمحور حول رقم 6 مرشحين لكل مقعد.

– معدل الترشيحات السنية في منطقتي عكار والضنية المصنفتين على أنهما خزان مؤيدي تيار المستقبل هو مرتفع جداً وهو بنسبة 12 مرشحاً للمقعد السني الواحد في عكار و10 في الضنية. وهي نسب تتجاوز بكثير المعدل الوطني العام البالغ 6 مرشحين للمقعد الواحد، وفي ذلك ما يظهر حرية كبرى في الترشّح في عقر دار “البيئة الحاضنة” لتيار المستقبل في حين أن معدل الترشيحات للمقعد الشيعي الواحد في دائرة بنت جبيل هو1.3.

– معدل الترشيحات عند الطائفة الشيعية ينخفض من 3.6 إلى 2.6 مرشحاً لمجرد إخراج مقعد زحلة الشيعي الذي ترشح عنه 16 شخصاً ومقعد جبيل الذي ترشح عنه 12 شخصاً!

– معدل الترشيحات لدى الطائفة السنية هو ضعف الترشيحات لدى الطائفة الشيعية كما أن “المعدل السني” هو من الأعلى في لبنان في حين أن “المعدل الشيعي” هو الأدنى بامتياز.

– حصل تيار المستقبل في انتخابات 2009 على ثلثي المقاعد السنية الـ27 في حين حصل الثنائي الشيعي على قرابة 90 % من المقاعد الشيعية!!

– أظهرت الأرقام الرسمية لانتخابات 2009 أن الناخب الشيعي اقترع بنسبة 99 % لصالح لائحة حزب الله في منطقة بعلبك الهرمل (10 مقاعد) كما اقترع بنسبة 98 % لصالح مرشحي حزب الله – أمل في دائرة حاصبيا – مرجعيون!

هي نسب لم يرها لبنان في تاريخه. نسب لم يحصل عليها في أي يوم من الأيام أيّ زعيم لبناني!!

والخلاصة أنّ الكلام عن سيطرة حزب واحد على الطائفة السنية هو أمر مجافٍ كلياً للحقيقة في حين أن السيطرة شبه الكاملة للثنائي حزب الله -أمل على تمثيل الطائفة الشيعية هو أمر ملفت لا مثيل له في “ايران الولي الفقيه”!!

في المقابل ثَبُتَ أّ نسلوك اللبنانيين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم ومناطقهم إزاء استحقاق الانتخابات هو متشابه خلافاً لما هو عليه لدى الطائفة الشيعية الكريمة! هذا ما تقوله الأرقام.

لذلك يجب أن يجتمع اللبنانيون كلهم على رفض البحث بأي تعديل دستوري يسعى إليه الممثلَيْن الحاليين للطائفة الشيعية قبل أن تُظْهِرَ الانتخابات النيابية المقبلة أداء للمواطن الشيعي (ترشيحاً واقتراعاً ونتائجاً) شبيهاً لأداء أخوته في المواطنة، أداء الأحرار، غير المرهّبين أور المجيّشين!!

كما ولا بد من أن نكرر أن سيطرة الثنائي الشيعي على طائفة بأكملها أخلّ باللعبة الديمقراطية وبالحياة السياسية عامة في لبنان وأن المشكلة تفاقمت وتعاظمت حينما أهملت 14 آذار مجموعة الشيعة المستقلّين سنة 2005 وكذلك حينما ساهمت فئة من مسيحيي لبنان عبر مساندتها للثنائي الشيعي في تعطيل نظامنا الدستوري.

فهي التي أمنت له الثلث المعطل وهي التي ساهمت معه في تعطيل أهم استحقاق وطني أي الانتخابات الرئاسية 2007. عسى ألا يتكرر هذا التعطيل في الاستحقاق الرئاسي سنة 2014! والأهم من كل ذلك أن الكلام عن الميثاقية كان يعني حتى تاريخ قريب توازنا مسيحيا اسلاميا لحظه أساساً دستور الطائف الذي ثبّت مبدأ المناصفة، فإذا بنا اليوم نرى البعض يتسلحون “بقميص الميثاقية” من أجل رفض أو اعتراض أي شأن وطني لا يُرضي ممثلي الطائفة الشيعية! إنه “حقُّ فيتو” ابتدعه الثنائي حزب الله – أمل لصالح المذهب وليس الطائفة وهو يمعن في استعماله تعطيلاً…

السابق
النبطية في العتمة بسبب الاهمال
التالي
بري:سنبقى في لبنان نحارب لتحقيق إستقلال القضاء ومنع التدخل السياسي فيه