أزمتي الشخصية مع الأسد الذي لا يسقط

الاسد
لقد سبّبت لي إزمة إيمان وشك بمطلق الأشياء وليس بالله فقط. بالخطأ والصواب. بالخير والشر... لقد تسبّبت بهذا اليأس للجميع تقريباً، أولئك الذين داهمهم العجز أمام مفهوم القوة. لقد وضعتني مرّة أخرى أمام معضلة وهن الضعيف وتعنّت القوي. كل هذه الأمور فعلتها بي، ليس لأنّك أنت، فشخصك لا يستحق التحليل حتّى، بل فقط فكرة وجودك. هذه أزمتي الشخصية مع الأسد الذي لا يسقط.

هدية الأسد لنا قبيل عيد الأضحى إطلالة إعلامية يتحدّث خلالها عن كلّ شيء إلا الإنسان السوري. يتحفنا بمقاربته لأوضاع بلاده وبرؤيته السياسية ولا يخبرنا “السيد الرئيس” ولو مرة واحدة عن ملايين السوريين الذين شرّدهم. يتحفنا بنقده الذاتي للاقتصاد ويكاد لوهلة أن يقنعنا بـ”غصّته” لأنّ الأجانب أفضل من العرب.

نتفق معك أنّ الأجانب أفضل بحق أنفسهم وسنبتعد أبعد من ذلك لنقول إنّ معظم الحكام العرب لم يقدموا إلى هذا الشرق إلّا الارتهان والخذلان واليأس والاستعباد والذلّ بلقمة العيش.

سأذهب معك أيضاً إلى أبعد من التحليلات السياسية والمعادلات الإقليمية التي يتناولها الجميع وأسأل عن الثورة السورية ببراءة كأنّي جاهلة تماماً بصفقات السلطة لسبب واحد ليس أكثر وهو أنّك أيّها “السيد الرئيس” تسبّب لي أزمة إيمان. مجرد وجودك أينما كنت وتهاونك مع كل هذا الموت لا يزال يصعقني، أنا الساذجة. وجودك يهزّ كل قناعاتي خصوصاً حين أخرج عن التطلّع إليه من منظور سياسي وأحاول أن أقاربه إنسانياً.

لم أؤمن يوماً بالعدالة المطلقة وأعرف الكثير الكثير عن الظلم. لكن هناك براءة ما أو ربما غباء يجعلني للحظة أفكّر أنّه لا يمكن أن ينتهي المشهد السوري بغير سقوطك.

الغباء الأكبر هو أنّي في بعض لحظات الإفراط بسذاجتي أفكّر أنّه قد يقبع في داخلك إنسان. ولا أتمنى لك السوء بل فقط الرحيل.

في لحظات أخرى، أغضب الى درجة تجعلني أشعر أنّه لو كان بإمكاني أن أصل إلى قصرك وأطلق عليك الرصاص بيدي، لما توانيت لحظة.

كلما عبرت في شارع ورأيت ضحاياك الذين شرّدتهم وحاولت أن أفكّر على من يُلقى اللوم في هذا الحال أجد المنطق عصيّاً جداً. ولكن دعني أطمئنك أنّ حيلة “داعش” وأمراء الجهاد والحرب الأهلية ما زالت ترفض أن تنطلي عليّ. سيقول الجميع إنّ هؤلاء هم ملوك الساحة الآن ولكن كلما أغمضت عينيّ، لا أستطيع أن أرى سوى أطفالاً قتلوا لأنّهم أنشدوا لحن الحرية.

لقد سبّبت لي إزمة إيمان وشك بمطلق الأشياء وليس بالله فقط. بالخطأ والصواب. بالخير والشر… لقد تسبّبت بهذا اليأس للجميع تقريباً، أولئك الذين داهمهم العجز أمام مفهوم القوة. لقد وضعتني مرّة أخرى أمام معضلة وهن الضعيف وتعنّت القوي. كل هذه الأمور فعلتها بي، ليس لأنّك أنت، فشخصك لا يستحق التحليل حتّى، بل فقط فكرة وجودك. هذه أزمتي الشخصية مع الأسد الذي لا يسقط.

السابق
وليد عسيران: قرار الضم والفرز علمي أو سياسي؟
التالي
وسط أوروبا وغاز أميركا