وسط أوروبا وغاز أميركا

لا يزال الاقتصاد العالمي يصارع للتغلب على تأثيرات الكساد الذي خلفته الأزمة المالية عام 2008. لكن الطاقة – وبشكل خاص استكشاف الغاز في الأراضي الضحلة – تحولت إلى أحد أقوى محركات الاقتصاد الأميركي. فقد ارتفع إنتاج الغاز الطبيعي الأميركي بمقدار الربع خلال السنوات الخمس الأخيرة، بحسب إدارة إعلام الطاقة، وساهم في توفير 600000 وظيفة منذ عام 2009 وساعد في خفض الأسعار بالنسبة لملايين الأميركيين. علاوة على ذلك، تقف الولايات المتحدة الآن في وضع يمكنها الآن من تصدير الغاز. وهذا الفائض يشكل فرصة للولايات المتحدة لتكون لاعبا جيوسياسيا مرة أخرى في أوروبا.

وفي الوقت الذي يدرس فيه المسؤولون الأميركيون كيفية التحرك على صعيد سوريا والشرق الأوسط الكبير وآسيا الوسطى، ينبغي عليهم ألا يغفلوا وسط أوروبا، وبلدان فيسغراد (المجر وبولندا والتشيك وسلوفاكيا) التي تشكل بعض أكثر حلفاء الولايات المتحدة عمقا. فالتزام دولنا بالعلاقات مع الولايات المتحدة ثابت لا يتزعزع. لكننا لا نزال عرضة لخطر دبلوماسية الطاقة نتيجة لاعتمادنا الكبير على الغاز والنفط الروسيين، حيث تستورد دول وسط أوروبا ما بين 50 إلى 100 في المائة من احتياجاتها من الغاز من روسيا. في المقابل لا تستورد غرب أوروبا سوى 17 في المائة فقط من روسيا.

وقد بذلت منطقتنا الكثير من الجهود لتحديث أنظمة نقل الطاقة الموروثة، التي كانت تعكس حتى وقت قريب للغاية مسارات الإمداد بين الشرق والغرب في الحقبة السوفياتية. وستجعل خطوط الأنابيب الجديدة والتحديثات الجديدة هذه البنية التحتية لوسط أوروبا أكثر مرونة وتأمينا مما كانت عليه قبل أربع سنوات. لكن موقع غاز بروم الاحتكاري في تزويد غالبية دولنا بالطاقة يجعل أسعار الغاز بالنسبة لمواطنينا أضعاف سعرها في الولايات المتحدة.

وقد أكدت أزمة الغاز عامي 2006 و2009 أن دول مجموعة فيسغراد لا تزال عرضة لخطر توقف الإمداد أكثر من أي دولة أوروبية أخرى. وقد أدركنا منذ وقت طويل أهمية خفض الاعتماد على مصدر واحد للغاز ونتطلع لتحقيق منافسة حقيقية. إن ازدهار الغاز الطبيعي يثير الآمال بشريك تجاري موثوق بالنسبة لمنطقتنا.

ولكن كما تبدو الأمور، تجعل اللوائح الأميركية من تصدير الغاز عملية مرهقة، لا يمكن التنبؤ بها وقد تأتي بنتائج عكسية من الناحية الاستراتيجية. كما تسعى الشركات الأميركية إلى تصدير الغاز إلى البلدان التي ليس لديها اتفاقات تجارة حرة مع الولايات المتحدة حتى لا تخضع لإجراءات بيروقراطية طويلة. ولا تزال غالبية طلبات ترخيص التصدير العشرة معلقة؛ فلم يمنح سوى بضعة تراخيص خلال السنوات الثلاث الماضية. هذه العقبة التنظيمية تشكل عنق الزجاجة الرئيس في زيادة تجارة الغاز بين الولايات المتحدة وأعضاء حلف الناتو واليابان.

كان وزير الطاقة إرنست مونيز قد تعهد هذا الصيف باتخاذ القرار بشأن تراخيص تصدير إضافية بحلول نهاية العام. وفي الوقت نفسه، دافع الكثير من أعضاء الكونغرس، بما في ذلك السيناتور جون باراسو وليزا موركوسكي والنائبان تيد بو ومايك تيرنر، عن هذه التدابير التي من شأنها أن تساعد في تعجيل صادرات الغاز الطبيعي المسيل إلى حلفاء الولايات المتحدة.

ونحن نعتقد بأن هذا يخلق وضعا جيدا لكلا الجانبين. ويمكن للكونغرس، والعمل مع الإدارة أن يساعدا الشركات الأميركية في الحصول على فرص عمل جديدة في الوقت الذي تساعد أيضا الولايات المتحدة وحلفاءها على تنويع مصادر الطاقة لديها. ومن ثم فإن الإسراع في إجراءات إصدار تراخيص التصدير للسماح بزيادة المبيعات للشركاء الأجانب الموثوقين والجديرين بالثقة، يجب أن يكون سياسة يدعمها السياسيون من كلا الحزبين.

هذه لحظة تاريخية. والولايات المتحدة لديها فرصة لتصبح لاعبا رئيسا في الصادرات العالمية من الغاز الطبيعي. إذا ما وسعت واشنطن من الفرص التصديرية، فسوف يكون من بين نتائج ذلك تعزيز الإنتاج المحلي، وتعزيز أمن الطاقة العالمي، وفرص توسع السوق، وانخفاض الأسعار العالمية وتحالفات عبر أطلسي أكثر قوة. ومن خلال اتخاذ خيارات استراتيجية، يمكن للولايات المتحدة أن تثبت، مرة أخرى، أنها تعتبر جمهورية التشيك والمجر وسلوفاكيا وبولندا حلفاء مقربين وتبدأ فصلا جديدا، وأكثر قربا في العلاقات الثنائية.

السابق
أزمتي الشخصية مع الأسد الذي لا يسقط
التالي
هيّا بنا نعيش قصة حب