طرابلس تغار من الضاحية: خطة أمنية أو حملة انتخابية ميقاتية؟

طرابلس تغار من الضاحية
اتخذ الرئيس ميقاتي خطوات شكلية لم تستطع أن تستقطب الإعلام، على عكس الدعاية "الطنّانة والرناّنة" في ضاحية بيروت الجنوبية. ينشر آلاف العناصر في طرابلس بلا كلفة عليه، وغفل عن الانماء، وهو ضرورة قصوى للمدينة.. لكن هل يمكنه أن يقنعنا أنّ هذه الخطة الأمنية أكثر من حملة انتخابية مبكرة؟ والأسوأ: فاشلة.

بعد ثلاث ساعات من زحمة السير الخانقة وروائح البنزين والمازوت التي عطّرت الطريق الطويل، تصل إلى مدخل طرابلس وإلى المنظر نفسه من السيارات المتلاصقة، ذاك المشهد الذي كدت لا تصدّق أنّك انتهيت منه عندما وصلت إلى الأوتوستراد.

تصل إلى حاجز قوى الأمن الداخلي متوقّعاً أن يفتّش أحد السيارة أو أن يطلب أوراقك الثبوتية. لكنّ الدركي المنهك يشير إليك بيده أن تتابع سيرك… تكاد تصرخ بالعناصر الأمنية الواقفة على جانب الطريق: “لماذا لم يفتشني أحد؟”.
لكنّك “تبلع الموس بالعرض” وتكمل طريقك وأنت تفكّر كم من الغصّات نبتلع كل يوم في هذا البلد وتتراءى لك معدتك كمخزن سكاكين ليس أكثر.

هكذا استقبلتك الخطة الأمنية المستجدة على أبواب عاصمة الشمال لتشعر فعلاً بمدى “جدّيتها”. تتذكر اتصالاً هاتفياً تناقلته المواقع الاجتماعية بين أحد المواطنين وعنصر في شرطة طرابلس، حيث الأخير يقول إنّ المدينة متروكة للمسلحين ويتنصّل من مهامه بسخرية.

ما هذه الخطة الأمنية؟ يسأل المواطنون وهم لا يعرفون لماذا تنتشر القوى الأمنية بأجهزتها المختلفة في الأماكن الهادئة نسبياً بدلاً من أن دخولهم إلى عقر الدار لاعتقال من وجب اعتقاله ومصادرة الأسلحة الواجب مصادرتها.

البعض الآخر يرحّب بدخول الدولة، وإن كان ترحيباً فيه من الأمل أكثر من الواقع بكثير. فالذي يعرف طرابلس وقد جال في أحيائها الداخلية مؤخراً يعرف أن الوضع أكثر تأزماَ من أن ننشر بعض الحواجز هنا وهناك.. ومن يعرف عن الخوّات التي يفرضها المسلّحون على أصحاب المحلات في الأسواق الداخلية يعرف أنّ المسألة شديدة التعقيد. ومن يعرف أنّ المسلّحين خرجوا عن طوع سياسيي المدينة الذين لطالما أمّنوا الغطاء لتجاوزاتهم يعرف أنّ مشكلة طرابلس ليست أمنية على قدر ما هي سياسية. ويعرف بالتالي أنّه لا يمكن المعالجات السطحية أن تقدّم وتؤخر في الموضوع. وربما من هنا تلكؤ عنصر الأمن حتى عن تفتيش المارة. فهو بدا أصلاً يائساً وغير مقتنع بما يقوم به.

منذ فترة قريبة، اقترح رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي ضمّ قادة المحاور في قوى الأمن الداخلي. يقول لي أحد الأصدقاء: “يمكنك أن تتخايلي مثلاً أن ندخل إلى مركز للشرطة لنقدّم شكوى ما فيستقبلنا أحد القادة المسلحين سابقاً والذين يكونون قد تحوّلوا إلى جزء من أجهزة الدولة؟”. أضحك وأتخيّل أحدهم في “قميص
بروتيل”.

اقتراح الرئيس ميقاتي لم يلاقِ الصدى المطلوب فما كان منه إلا أن سارع بطلب خطة أمنية لطرابلس مماثلة لتلك التي نفذتها الدولة في ضاحية بيروت الجنوبية.

بدا ميقاتي في تصرّفه أشبه بالجارة التي شعرت بالغيرة من جارتها الأخرى لأنّ زوجها اشترى لها فستاناً جديداً أو فرش لها المنزل بالسجاد العجمي. بدا كأّنّه يسجّل حضوراً ليس أكثر. وقد بدأت أساساً الصرخات والتهديدات من قادة المحاور بأنّهم لن يرضخوا للخطة الأمنية.

يمكن الرئيس ميقاتي أن يتّخذ هذه الخطوات الشكلية التي لم تستطع حتى أن تستقطب الإعلام، والتفت بغموض مريب على عكس الدعاية “الطنّانة والرناّنة” في الضاحية الجنوبية. يمكنه أن ينشر آلاف العناصر في طرابلس فهي لا تكلّفه شيئاً ويمكنه أن يغفل عن الانماء الذي هو ضرورة قصوى للمدينة.. لكن هل يمكنه أن يقنعنا أنّ هذه الخطة الأمنية أكثر من حملة انتخابية مبكرة؟ والأسوأ: فاشلة.

السابق
هل قدّم خليفة المال لسيمون
التالي
قبلان: على المسؤولين تحصين وحدتهم الوطنية والعمل لانقاذ الشعب