دولة روميه تتحكّم بأمن لبنان

سجن روميه

وما يسري على أمن المناطق يسري أيضاً على السجون. عشرات التقارير الرسمية حذرت وتحذر من انفجار ملف سجن روميه بوجه كل الطبقة السياسية. وبرغم ذلك، تناوب المعنيون على التهرب من المعالجة الجدية لقضية الموقوفين والمباني التي يقيمون فيها. فماذا كانت النتيجة؟
الحقيقة الجارحة اليوم أن «دولة روميه» صارت أقوى من الدولة اللبنانية بكل مستوياتها. الدليل أن تنظيماً إرهابياً قَتل مَن قتل من العسكريين والمدنيين الشهداء، وكان يفترض أن تعلق المشانق لعناصره، صار يحكم سجن روميه ويجند ضباطاً وعسكريين لبنانيين في هذا السجن المركزي نفسه لا بل في ثكنات عسكرية على امتداد الأرض اللبنانية، من دون إغفال ما يقوم به أيضاً من تجنيد لخلايا ارهابية، ولذلك لن يكون مفاجئاً في يوم من الأيام أن يكتشف المسؤولون أن بعض التفجيرات تم التخطيط لها من السجن المذكور!
مناسبة هذا الكلام، ما تكشف من معطيات، أمس، عن محاولة قام بها أحد العسكريين لإدخال مواد تستخدم في صناعة المتفجرات عن طريق توضيبها في سندويشات يتم إدخالها للموقوفين، وذلك في إطار التحضير لعملية هروب جماعية كبيرة على غرار تلك التي شهدتها سجون العراق وليبيا وأدت الى فرار المئات من عناصر «القاعدة» ممن انتقل عدد كبير منهم الى سوريا، وألمح تقرير نشرته «السفير»، أمس، الى وصول بعضهم الى الأراضي اللبنانية.
والمفارقة اللافتة للانتباه أن قوى الأمن الداخلي ترددت في تنفيذ عملية دهم لـ«المبنى ب» الذي تحوّل قاعدة عسكرية لـ«فتح الاسلام» وأخواتها، برغم تيقنها من التخطيط لفرار نزلائه، والسبب «هو التخوّف من إراقة دماء قد تشعل الرماد في مناطق محسوبة، مذهبياً، على السجناء الإسلاميين»!
ووفق مرجع أمني، فإن واقعة تهريب مادة الـ«كاربير» قبل يومين، ربما سبقتها أعمال مماثلة تعذر الكشف عنها، من دون استبعاد ادخال مواد أخرى، فضلاً عن عدم معرفة كمّية الممنوعات، من متفجرات وأسلحة وأجهزة اتصال، يملكها الإسلاميون الذين يبلغ عددهم نحو 190 سجيناً، والأخطر، يقول المرجع الأمني نفسه، «أننا لا نستطيع ذلك بسبب عدم وجود غطاء سياسي يسمح للقوى الأمنية المعنية بمداهمة المبنى وتفتيشه».
والمفجع أن كل ضابط وعسكري لبناني في سجن روميه لا يخضع لإرادة هذه المجموعة الارهابية، يمكن أن يحاكَم بسرعة قياسية، وهذا هو التبرير الذي أعطاه أحد الضباط بعدما تبين أنه متورط بتأمين عشرات أجهزة الهاتف الخلوية للموقوفين، ولذلك صح القول في موقوفي «فتح الاسلام» أنهم حكام روميه لا بل حكام الدولة اللبنانية.
والمؤسف أنه عندما قررت الدولة اللبنانية وضع يدها على ظروف تحسين سجن روميه وتسريع المحاكمات، تبين أن مافيا الدراسات والتلزيمات والتنفيذ فعلت فعلها عبر فضائح مالية تبين أن معظم المتورطين بها هم من «أهل الكار» في مؤسسة قوى الأمن.

وكشفت مصادر أمنية عن وجود تخوّف لدى أجهزة أمنية رسمية، من تنفيذ عملية هروب جماعية يحضّرها إسلاميون في سجن رومية، استكمالاً لعمليات الفرار التي نفذها تنظيم «القاعدة» في سجون العراق وباكستان وليبيا، حيث تم تهريب أكثر من ألف سجين للمشاركة في عمليات إرهابية بالمنطقة.
ويستند أحد الأجهزة الأمنية المحترفة إلى معلومات تقنية (تنصّت، رسائل نصّية والكترونية) حصل عليها أخيراً، بالإضافة إلى تقارير أمنية منها موثقة ومنها مشبوهة، تفيد بوجود متفجرات تم تهريبها إلى مبنى الإسلاميين (ب)، قبل تركيب أجهزة الكشف الالكترونية في السجن منذ نحو تسعة أشهر، وذلك لاستخدامها في تفجير المخارج الأساسية المثبتة فوق سور السجن.
وتشير معلومات «السفير» إلى أن جهازاً أمنياً وثيق الصلة بملف السجون، جهّز عملية دهم تستهدف مبنى الإسلاميين بغية تفتيشهم ومصادرة المتفجرات وأجهزة الاتصال التي يملكونها، بعدما عرف باحتمال هروبهم، لكن المعضلة تجلّت في التخوّف من إراقة دماء قد تسبّب بإشعال الرماد في مناطق ينتمي إليها السجناء الإسلاميون.
ولم يستبعد مرجع أمني واسع الإطلاع أن تكون مادة الـ«كاربير»، التي ضبط 150 غراماً منها أمس الأول بحوزة أحد حرّاس السجن، قد سبق وهرّب منها غرامات عدة إلى الإسلاميين، مثلما كان ينوي العنصر الأمني تهريبها عبر وضعها في الطعام إلى السجين ش.ش، مؤكداً أن الأخير «مجرّد واسطة، والمادة التي تستخدم في التفجير، كانت مهرّبة إلى السجناء الأصوليين».
ويقول المرجع إن «الخطير في الموضوع، هو عدم قدرتنا على معرفة كمّية الممنوعات، من متفجرات وأسلحة وأجهزة اتصال، التي يملكها الإسلاميون (يبلغ عددهم نحو 190 سجيناً)، والأخطر من ذلك أننا لا نستطيع ذلك بسبب عدم وجود غطاء سياسي يسمح للقوى الأمنية المعنية بمداهمة المبنى وتفتيشه».
وعلمت «السفير» أن الحواجز السياسية المثبتة أمام أي قرار أمني في شأن مداهمة مبنى الإسلاميين، أدت إلى وصول بعض الضباط حدّ اقتراح تسهيل هروب السجناء الأصوليين، «إذ بذلك نضمن أنهم سيُقتلون في المعارك بسوريا، بدلاً من وجودهم هنا ومشاركتهم بأعمال إرهابية من داخل السجن»، وفق مرجع أمني مطّلع.
لكن حتى هذا الاقتراح، غير الجدّي، قوبل بثلاثة أسئلة أساسية: «من يضمن لنا أنهم سيتوجهون إلى المشاركة في القتال بسوريا؟ ماذا لو كان هدفهم تنفيذ أعمال إرهابية في لبنان؟ وماذا سنعرف عنهم إذا تواروا عن الأنظار في أحد المخيمات الفلسطينية؟».
وفيما تتفق المصادر الأمنية المعنية أن عملية الهروب من «رومية» تواجه صعوبة تفوق سهولة عمليات الفرار التي شهدتها سجون العراق وباكستان وليبيا (علماً أنها نفذت عبر مشاركة مسلحين من خارج السجن)، نظراً لإحاطة سجن رومية بثكنة عسكرية ووجود أحراج عدة، غير أن «تخوفنا ينبع من عمليات الفرار الجماعية الناجحة التي شهدها سجن رومية، والقوة المتنامية لدى الإسلاميين يوماً تلو يوم، بالإضافة إلى أن الحرّاس في السجن يخافونهم وتم تهديدهم مراراً بغية التعاون معم»، وفق أحد الضباط.
ويستشهد أحد الضباط بحادثة الـ«كاربير» الأخيرة، قائلاً إن الدركي الذي تعاون مع السجين ش.ش.، بدأ خدمته في السجن منذ أيام، ما يدل على سهولة «اختراق حرّاس السجن. وقبل فترة، تمكنّا من ضبط 26 هاتفاً خلوياً كان أحد الضباط في السجن يحاول تهريبها إلى الإسلاميين، وفي التحقيق أخبرنا أنهم هدّدوه بالقتل إذا رفض التعاون معهم، علماً أننا قمنا بنقله من رومية اثر توقيفه».
وتؤكد مصادر أمنية وثيقة الصلة بملف السجون، أن لبنانيي «فتح الإسلام» لا خوف منهم، بينما التوجس الأمني الأساسي يكمن في الأصوليين الأجانب البارزين، الذين يبلغ عددهم نحو 43 سجيناً ينتمون إلى «القاعدة»، وهم من جنسيات تونسية ويمنية ومغربية وسعودية (يوجد 10 سعوديين).
وتشير المصادر إلى أن أي عملية فرار قد يشهدها السجن، سيكون هدفها الأساس تهريب «هؤلاء، وليس كل السجناء الإسلاميين»، لافتة إلى أنهم «يعرفون سلفاً أن الأحكام القضائية بحقهم هي الإعدام، نظراً للاتهامات الموجهة إليهم، من معارك نهر البارد إلى تفجيرات عين علق وغيرها».
بذلك، وبعد قرار «القاعدة» المركزي الذي تجلى بوعد أطلقه أمير التنظيم أيمن الظواهري يقضي بـ«تحرير سجناء التنظيم»، فإن التخوّف من هروب مرتقب بلغ ذروته لدى الأجهزة الأمنية المعنية، التي تنتظر غطاء سياسياً، ليس لمنع الهروب فحسب، بل لضبط المهمات الأمنية الأصولية القائمة في السجن.
ويقول أحد الضباط المخضرمين: «لم نعد نستطيع دفن رؤوسنا في الرمال. يجب علينا الاعتراف بأن الإسلاميين يقومون بأعمال إرهابية من داخل السجن، إذ يملكون أجهزة اتصال وانترنت، يستطيعون عبرها تجنيد من يريدون، والتواصل مع الشبكات الإرهابية»، مؤكداً «وجود كوادر من السجناء لديهم مهمات أساسية في تنظيم القاعدة، والمضحك المبكي أننا لا نعرف منهم إلا أسماء قليلة».
ويوضح ضباط معنيون أن «أبو الوليد» (لبناني) و«أبو تراب» (يمني) وغيرهما، يُعتبران «واجهة للعقول الأساسية والمدبّرة الموجودة في رومية، والتي تتواصل بشكل أساسي مع كوادر القاعدة من داخل السجن»، مؤكدين أن «العقبة التي تقف أمامنا تكمن في صعوبة اختراقهم، فهم كتلة متراصة يصعب اختراقها، ومن يتم اكتشاف أمر اختراقه وتعاونه مع الأمن يُقتل فوراً، بعد صدور فتوى بحقه».
وعلى الرغم من استحداث غرفة خاصة بتفتيش العناصر الأمنية في السجن أخيراً، غير أن السجناء الأصوليين يمدّون بعض الحرّاس بأفكار وأساليب لتمرير المواد التي يريدونها، وآخرها مادة الـ«كاربير»، التي يمكن استخدامها لتفجير باب حديدي على سبيل المثال، عبر وضع المادة في قارورة بلاستيك ومزجها بالمياه والحديد ومواد كلسية، ثم تنفجر بعد مرور نصف دقيقة، وتؤدي كمية مئة غرام منها إلى إحداث فجوة قطرها نحو 30 سنتيمتراً.
ويمكن الاستفادة منها عبر نشر الحديد، وذلك من خلال مزجها بالمياه فتتحول إلى بخار حراري عالي الفعالية، ثم يتم وصلها بقارورة «أوكسجين» ويتم وصل أنبوب بالـ«كاربير» فتصبح جاهزة لاختراق أبواب حديدية. وتؤكد مصادر أمنية معنية أن «أحداً منّا لا يعرف ما هي الكمية الموجودة من هذه المادة لدى الإسلاميين، لكن المؤكد أنهم سبق وهرّبوا منها».
ويقول مرجع أمني إن «المطلوب حالياً منحنا غطاء سياسياً لمباغتة السجناء الأصوليين، عبر دهم المبنى (ب) وتفتيشه ومصادرة الممنوعات، قبل أن يباغتونا بهروب مفاجئ أو عمل إرهابي من داخل السجن، علماً أننا بلغنا مرحلة اليأس من القوى السياسية التي لا تريد الاصطدام بالإسلاميين، لحسابات منها محقّة… ومنها انتخابية».
وسط ذلك، تثبت القوى السياسية أن المخاوف الأمنية الأساسية التي تستهدف المواطنين ليست من أولويّاتهم. وليس مستغرباً أن يغدو سجن رومية «شمّاعة» لأعمال إرهابية سيشهدها لبنان، جرياً على عادة الأجهزة الأمنية بتحويل المخيمات إلى «قميص عثمان» يحملونه دوماً لتبرير الفلتان الأمني الإرهابي.
ثمة أمر وحيد اعتادته الأجهزة الأمنية أخيراً: عرض عضلات وهمية…

السابق
قائد الكتيبة الكورية كرم الاعلاميين
التالي
الفئران تبكي لمنع التحرش الجنسي