حادث فردي: الإختباء خلف الكلمات

عماد قميحة

كثيرة هي المصطلحات السياسية اللبنانية المستعملة التي تحتاج الى توضيح والى شرح وتمحيص. ما يستدعي  الاستعانة محرّك البحث “غوغل”، في جانبه اللبناني. خصوصا من أجل فهم حقيقي لما ترمي اليه من مداليل سياسية او امنية!

بعضها، من كثرة سماعها في وسائل اعلامنا، تصبح اقرب الى البديهيات الواضحة. فتدخل ضمن القاعدة الكلامية التي تقول: “اصعب الصعوبات توضيح الواضحات”. الا ان الصعوبة الحقيقية هنا تكمن وتتأتى من الفارق الواضح بين الفهم البدْوي للمصطلح بحرفيته وما قد يرمي اليه مستعمله!

ومن المعلوم ان بين ايدينا لائحة تعج بمثل هذه المصطلحات العجيبة. ويأتي في مقدمة اللائحة تعبير “حادث فردي”. هذا العنوان الذي يفترض ان يدل على وقوع حدث ما، أو مشكلة أو صراع، بين افراد لا يتخطى عددهم أصابع اليد الواحدة. وفي اسوأ الاحوال يضاف اليها عدد اليد الاخرى. واهم من ذلك: ألا يكون لهؤلاء الافراد اي علاقة لا من قريب ولا من بعيد بامتدادات حزبية او بخلفيات سياسية او طائفية. يصحّ حينئذ ان نطلق على ما يمكن ان يحدث بينهم تسمية “حادث فردي”.

اما ان نسقط هذا العنوان، الحادث الفردي، على ما حصل منذ ايام في مدينة بعلبك، وراح ضحيته خمسة قتلى وعشرات الجرحى، واستعمل خلاله انواع متعددة من الاسلحة وصولا الى المتوسطة منها، وحيث تم احراق محال تجارية وجرت مداهمات لمنازل مواطنين على خلفيات سياسية وبدوافع عقائدية وطائفية, فذلك أقرب إلى استهبال عقول المشاهدين والمواطنين.

وما يجعل محاولة البعض توصيف كل ذلك بأنّه مجرد “حادث فرد”، إنما يدل عن غاية وهدف واحد لا ثاني له، الا وهو “الهروب من تحمل مسؤولية”. وذلك في سبيل “علاج موضعيّ” سريع  وفق خطوط مرسومة مسبقا، غالبا ما كون من صنع احد الطرفين او من كليهما معا.

الخطورة هنا تزداد عندما  تكون عملية الغش او التكاذب الاصطلاحي هذه  تصدر عن مرجعية رسمية معنية كوزير الداخلية او قائد الجيش او غيرهما. وهذا ان دل فإنما يدل على الوهن المستحكم بعقول اصحاب الشأن من جهة وعلى طرق المعالجة لأحداث كهذه، تستهتر بحياة الناس.

هذا ما يفسر لنا بوضوح تغييب القوى الامنية وعدم السماح لها بلعب دورها الطبيعي في الحفاظ على امن المواطنين قبل وقوع الحادث وليس بعد وقوع الواقعة! ما يعني ان تكرار مثل هذه “الاحداث الفردية” هو امر محتوم في ظل غياب المعالجات الحقيقية الكامنة خلفها والمسببة لها. وان كل محاولات تصغير الواقع عبر عناوين تخفيفية لا يغدو اكثر من عملية خداع للناس المراد منها الاختباء والهروب وعدم تحمل المسؤولية ليس الا.

حمى الله لبنان من “الحوادث الفردية” المتنقلة ومن مفتعليها ومن الهاربين من معالجتها.

السابق
راغب يحصل على الإقامة من إقليم كردستان
التالي
بعلبك: القصة الكاملة لحملة حزب الله التأديبية