تصدر الرئيس حسن روحاني الصحف العربية والعالمية بعد مواقفه “اللينة” التي أطلقها في الامم المتحدة في نيورويك والتي اعتبرت غير مسبوقة، وغريبة من رئيس ايراني. هذا التغيّر في الخطاب شكل مفاجأة للقوى السياسية، المعارضة والموالية للنظام الايراني ولسياسته الندّية المتبعة منذ فترة طويلة مع دول المنطقة ومع الغرب بشكل أساسي، والتي لطالما أظهرت كراهية وعدائية في التعاطي مع تلك الدول.
ربما تكون العقوبات الغربية الكبيرة فرضت ضغوطا على الدولة الايرانية، ما ساهم في إحداث الانقلاب في نبرة الخطاب ليصبح أكثر مرونة. وربما يكون هناك توجها في السياسة العالمية للوصول الى استقرار المنطقة هو السبب.
اسئلة يصعب الاجابة عنها في هذا الوقت، لكنّ الاكيد ان روحاني وعد من نيويورك، بإجراء مفاوضات“حسنة النية” حول برنامج بلاده النووي. وقال إثر اجتماع على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة: “نحن مستعدون لخوض العملية التفاوضية بجدية بهدف بلوغ اتفاق تفاوضي يقبل به الطرفان“.
هذا المنحى الديبلوماسي الذكي لروحاني ربما ينبئ بتحوّل هام في العلاقات بين طهران والغرب، لا سيما حين قال: “واحد من مفاتيح اهتمامنا هو الاستقرار في المنطقة واذا استقرت المنطقة نستقر كلنا والمنطقة تحتاج الى الاستقرار“. إلا ان هذا الخطاب لم يرح واشنطن بشكل كامل، إذ حذرت من ان يكون هذا“الكلام المريح” يهدف إلى خداع الخصوم. ودعت الى التواصل واختبار ذلك.
الخبير في الشؤون الإيرانية الدكتور طلال عتريسي قال لـ”جنوبية” إنّ ما يجري “تغيير فعلي وليس مناورة إطلاقا”.
كذلك أعلن روحاني جهوزية ايران للتفاوض مع الغرب، لكن شرط أن يحترم حقها في الطاقة النووية على أراضيها في إطار القانون الدولي. هذا الموقف دفع الرئيس الأميركي باراك أوباما الى اتخاذ موقف جيد بأن أبدى حماسا يتحلى بالواقعية، وجمع بين “إعادة ضبط” العلاقات مع إيران والمساعي لإنهاء النزاع العربي الإسرائيلي.
وكان روحاني قد اعترف بالهولوكست قائلا: “أي جريمة في التاريخ ضد احد وخصوصا جريمة النازية ضد اليهود وغير اليهود مدانة، لكن يجب ألا يرتكبوا مجازر ضدّ الآخرين ولا يهم اذا كانت ارواح مسلمين او مسيحيين او يهود“. على عكس الرئيس الاسبق محمود أحمدي نجاد الذي لطالما دعا الى محو اسرائيل من الوجود.
هذا الكلام أثار حفيظة إسرائيل التي تنظر بقلق شديد إلى التطورات الحاصلة مؤخراً بشأن التقارب بين إيران والغرب، التي بلغت أوجها مع إعلان وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف ان ايران والقوى العظمى “حددت هدفا لنفسها التوصل الى اتفاق حول النووي الايراني خلال عام“.
كذلك تتوجس اسرائيل من نتائج الحملة الإعلامية لروحاني، والمقابلات الصحافية مع كبرى وسائل الإعلام الأميركية، وتأثير ذلك على حل قضية البرنامج النووي من دون إرغام إيران على وقف أنشطتها النووية كافة، مثلما تطالب إسرائيل.
هنا يقول الخبير في الشؤون الإيرانية الدكتور طلال عتريسي إنّ “إيران تريد مفاوضات جدّية لكنّها لا تريد الصلح مع الغرب بأيّ ثمن بل لديها مواقف لا تتراجع عنها”.
ومن المنتظر ان يتوجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى واشنطن، غدا، السبت، حيث سيلتقي مع أوباما، وسيلقي خطاباً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وتشير التوقعات في إسرائيل إلى أن“نتانياهو سيركز في خطابه على البرنامج النووي الإيراني، والمفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية“.
من الواضح ان إيران تسعى حاليا إلى ضمان تخفيف العقوبات المفروضة عليها سريعا، لما تعانيه حكومة روحاني من ضغوط شعبية، وقد ظهر ذلك بوضوح في الليونة التي أظهرها الرئيس بشأن الملف السوري واستعداده للمشاركة في أي مفاوضات مقبلة للوصول الى حل سلمي للازمة.
وتسعى أيضا الى تغيير الصورة التي بدت عليها في عهد نجاد بالنسبة للغرب مع الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من الحرية فيما يتعلق ببرنامجها النووي ويعني ذلك الاستمرار في تخصيب اليورانيوم مع أقل قدر من الرقابة الدولية، خصوصا أنّ الولايات المتحدة والأوروبيين يقبلون استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم في إطار برنامج مدني.