الضربة المتوقعة تربك التلفزيون السوري!

تبدو الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السورية، تائهة في ظل الأنباء الغربية التي تتحدث عن ضربة قريبة لقوات الأسد، بعد استخدام الكيماوي مؤخراً، فتارةً تتصرف وكأن شيء لم يكن، وتارة أخرى توحد بث قنواتها وتبدأ ببث البرامج الإخبارية، وأحياناً تجيّش المشاهدين عبر الأغاني الوطنية، وفي أحياناً أخرى تعود لبث مسلسلاتها وبرامجها.
ولم يكن غريباً على التلفزيون السوري الرسمي بمختلف قنواته («الفضائية»، «تلاقي»، و «سورية دراما») أن يتابع بثه بشكل اعتيادي، عقب الأنباء التي تحدثت عن مقتل 1300 سوري في مجزرة كيماوية في ريف دمشق، فخبر هنا عن أحداث فلسطين، وخبر هناك عن تطورات مصر، وعواجل عن انتصارات الجيش الباسل في أحدى المدن، وشريط إخباري عن تطهير بلدة ما أو عن تفكيك عبوة أو معمل أسلحة، فيما تستمر برامجه على جدولتها دون أي تأثر بالحدث الذي هزّ العالم وإعلامه.

مرآة النظام
مما لاشك فيه أن التلفزيون السوري أصبح كما دائماً ولكن حتى أكثر من أي وقت مضى، المرآة الحقيقية لوجهة نظر نظام دمشق، والناطق الرسمي باسمها، وأحد أهم المصادر لسبر أفكار وتطلعات ومخاوف سلطة الأسد.
وهذا بدا واضحاً في الأحداث المتلاحقة الأخيرة، فخبر مجزرة الغوطة، لم يعنِ دمشق، ولم يهز لها جفن. أما التصريحات التي أعقبت ذلك بأيام قليلة، من قبل بعض الدول الغربية، عن ضربة عسكرية قريبة، على ما يبدو حركت القيادة السورية، فمع إعلان أميركا وفرنسا وبريطانيا نيتها توجيه الضربة، استنفرت الهيئة العامة للتلفزيون السوري، ووحدت بث قنواتها الثلاث مع الفضائية السورية، وبدأت ببث برامج إخبارية معظمها يشتم الغرب، والمعارضة، ويُسقط الوطنية عمن يختلف عن حكومة دمشق في وجهة نظرها، كما تنفي تهمة «الكيماوي» عن الجيش الباسل.
ولكن الأمر لم يستمر طويلاً، فبعد رفض مجلس العموم البريطاني الضربة، ومن ثم خطاب الرئيس الأميركي أوباما من أمام البيت الأبيض، والذي أكّد من خلاله سعيه للحصول على موافقة الكونغرس الأميركي على ضرب سوريا، تحولت حال الإعلام السوري مجدداً، وعاد إلى سابق عهده، ليتابع برامجه وكأن شيئاً لم يكن، ويبث المسلسلات والأغاني العاطفية، ويعرض برامج رياضية وترفيهية، وبرامج طبخ، وغيرها من البرامج، ويتخللها بعض نشرات الأخبار، وبعض الأخبار العاجلة التي تحتل نصف الشاشة وتصل إلى أربعة أو خمسة أسطر كما هو معتاد.
وهذا بطبيعة الحال يعكس حال حكومة دمشق، التي شعرت لفترة أن الضربة الغربية أصبحت وشيكة، فبدأت بالتجييش، والتجديف وإلقاء الاتهامات، في حين عادت وشعرت بالأمان مع التطورات السياسية الأميركية والبريطانية، وعلى ما يبدو أنها اقتنعت أن الضربة أصبحت بعيدة إن لم تكن مستبعدة.

المعادلة تغيرت
التخبط الإعلامي الذي عاشته الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في أقل من أسبوع، لم يكن بجديد على السوريين الذين اعتادوا هذا النوع من التصرفات، في ظل مؤسسة بيروقراطية، تأخذ تعليماتها من أجهزة الأمن، ومن فروع المخابرات، ومؤخراً من القصر الجمهوري بشكل مباشر كما يؤكد بعض المطلعين.
في السابق كانت ردود فعل المؤسسة الإعلامية السورية متوقعة ومعروفة بالنسبة للمتابعين العرب عموماً والسوريين خصوصاً، ولكن هذا الأسبوع غيّر المعادلة، فتخبط هذه الآلة، وتشرذمها، وعدم استقراها على نهج بشكل ضخم وغير معتاد، حيّر البعض، وزاد من تخبط التلفزيون السوري، ولكنه في نفس الوقت، عكس حالة التخبط والتشرذم في القيادة السياسية.
ومن هنا يتوقع المتابعون أن تستمر هذه الحالة لدى الإعلام الرسمي السوري، في الأيام القادمة، بخاصة أن تطورات سياسية جديدة برزت إلى الواجهة، أبرزها يفيد بأن مجلس الشيوخ الأميركي سيعطي الضوء الأخضر لأوباما لضرب سورية، وهذا ما سيغير سياسة التلفزيون السوري مجدداً ويبدو أن الموعد المقبل لتغير طريقة عمل الإعلام السوري ستكون مع التصويت الأميركي المرتقب في التاسع من الشهر الجاري.

السابق
الضربة: حدود مقصودة ونتائج ممكنة!
التالي
نتانياهو لا يثق باشارات التهدئة التي تصدر من ايران