شمس الدين يعود مع السيستاني

الشيخ محمد مهدي شمس الدين

فتاوى غير شعبيه لا تحاكي الغرائز  ولا تثير حماسة الغيارى على الدين، هذا هو القاسم المشترك بين فكر الامام اللبناني الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين وفكر المرجع الشيعي الأعلى القاطن في العراق  الامام  السيد علي السيستاني، الذي يواجه هذه الأيام بصمت بليغ  وصبر حكيم هجمات عنيفه يشنها عليه اقطاب التطرف لدى الشيعه والسنه لوقوفه في وجه فتنة تيارات الإسلام السياسي المتصارعة في العراق والخارج.

ففي مقال نشر امس في صحيفة الحياة السبت(لماذا يعادون السيستاني) يقول، “انتقد السيستاني متشددو السنّة لعدم إصداره فتاوى جهاد ضدّ هذا وذاك كما يفعل رجالهم بكل سهولة، واعتبره أتباع متشددي الشيعة بأنه متهاون وصامت وضعيف. وفي آخر تصريح لأحد طلاب العلوم الدينية في قم، في القناة الرسمية الإيرانية، وهو من أتباع ولاية الفقيه، اعتبر مراجع النجف في غيبوبة عن الشأن العام لأنهم يجتنبون الخوض في تفاصيل العمل السياسي ويمتنعون عن إصدار الفتاوى في شأن الأحداث الجارية هنا أو هناك”.

لقد استبعد السيد السيستاني نظريات الامام الخميني في الحكم (ولاية الفقيه) وفي السياسه (تصدير الثوره) ومال للمنهج المعتدل والذي يقول إن «الأصل الأولي هو عدم ثبوت ولاية أحد على أحد إلا في ما ثبت بدليل قطعي»، وهو المنهج الذي أقره الامام شمس الدين في نظريته الفقهيه الشهيره “ولاية الأمه على نفسها”، فالأصل الأولي هو عدم ثبوت ولاية أحد على أحد، فالإنسان وليّ نفسه، حرّ بطبيعته ومن حقه التعبير عن إرادته وتقرير مصيره.

وكذلك فقد طالب الامام الراحل شمس الدين الشيعه في لبنان والعالم العربي ان يندمجوا بأوطانهم وان لا ينخرطوا في مشروع خاص، وهو ما يطالب به المرجع السيد السيستاني اليوم المكونات الشيعية في العالم ان يندمجوا ضمن مجتمعاتهم  وان لا يعتنقوا مشاريع الأيديولوجيات السياسية، ويحضّهم أيضا على اتباع الطرق السلمية في المطالبة بأي حق يرون أنه قد أُخذ منهم، ويشدّد في الوقت نفسه على احترام القوانين المشرّعة والالتزام بها وفق الآليات الديموقراطية .

وقدوقف السيد السيستاني معترضا بقوه وأفتى بحرمة قيام مليشيات شيعيه تنال من سلطة الدوله بحجة الثأر من الذين يرسلون الانتحاريين ليفجروهم في الأحياء الشيعيه ،وهو ما لم يتورع عنه السيد مقتدى الصدر الذي شكل ميليشيا المهدي كي تقوم بعمليات ثأريه استهدفت تجمعات السنه ،قبل ان ترتد هذه المليشيا وتصطدم بالقوات المسلحه العراقيه التي اضطرت في النهايه الى قمعها نهاية العام 2008  ردا على احتلالها لمدينة البصره ومحاولة وضع حكومة المالكي امام امر واقع تفرض فيه الفوضى وعدم الاستقرار.

اما القاسم المشترك الأكبر بين الإمام الحالي والإمام الراحل هو ما توافق على تسميته  العديد من الفقهاء المراقبين المتابعين لحركة  المجتهدين المجددين هي قاعدة  “حفظ دماء المسلمين” أو “حفظ دماء الشيعه” على وجه الخصوص .

ومن هنا كانت معارضة الامام شمس الدين لمبدأ تصدير الثوره الايراني، فحفظ الدماء لا يكون الا بالابتعاد عن الفتن وعدم تلبية الدعوات المتسرعه للقتال، والجهاد لا يكون الا ضمن أطر مشروعه لا من أجل التبشير بدعوة مذهبيه تثير العصبيات والأحقاد . وهو الموقف نفسه الذي اتخذه السيد السيستاني لاحقا ناهيا فيه عن الدعايه لمذهب اسلامي على حساب مذهب اخر ،اذ ان الاختلاف المذهبي لا يمنع الالتقاء حول  تحقيق المصالح الوطنيه  المشتركه.

واذا كان الامام شمس الدين قد رحل بعد اشهر قليله من وصول بشار الاسد الى الحكم في سوريا  أي قبل عشر سنوات من اندلاع الثوره المسلحه فيها، وبالتالي فانه لا يحق لأحد أن يخمن أو يتوقع موقف الامام الراحل بخصوص الأزمة السورية، غير انه من السهل الاستنتاج ان مدرسة الاعتدال الشيعي اياها هي التي حدت بالمرجع السيستاني ان يدعو الشيعة الى عدم التدخل  في القتال الطائفي في سورية لمصلحة أي جهة من الجهات، قائلا أن من يذهب هناك للقتال “يخالف توجيهات المرجعية”.

إمام راحل من لبنان، وإمام ومرجع حالي في العراق جمعهما ولو بعد حين من الزمن فكر مستنير وموقف انساني راق ترجمت فتاوى تحرم القتال العبثي والانجرار الى الفتن بحجة الدفاع عن عقيدة الطائفه أو اثبات تفوقها على الطائفه المقابله، هي مواقف غير شعبيه لأنها مغايره لما يسود من تطرف وتعصب غرائزي أعمى تنغمس فيه حاليا مختلف الطوائف والمذاهب السنيه منها والشيعيه على حد سواء.

السابق
مع الحدث : المخطوفون بين التسريب والاستغلال
التالي
منفذو كمين اللبوة: ثأرنا لم ينته وسنقتل الحجيري