تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان في “قبضة” الصراع السوري

ترسم الدوائر المراقبة في بيروت لوحة قاتمة للمستقبل السياسي والامني في لبنان بعدما ارتبط مصير كل شاردة وواردة فيه بمجريات الصراع في سورية وما قد يؤول اليه، وخصوصاً ان مشاركة «حزب الله» العسكرية في الحرب السورية، وتالياً «اعلان الحرب» عليه من دول مجلس التعاون الخليجي جعل الجميع في لبنان اسرى انتظار في «لعبة صولد»، احد اسلحتها «الفتاكة» الفراغ الذي يضج باحتمالات انهيار المؤسسات والانفلات الامني.
ورغم ان اللبنانيين يلهون بفواجع على طريقة «الكوميديا السوداء»، كما الحال مع الجريمة العائلية التي اودت بحياة ناشط سياسي سوري موالٍ للنظام (محمد ضرار جمو) لـ«هجرانه» زوجته اللبنانية و»بخله»، او تأديب عائلة لزوج ابنتهم بقطع عضوه الذكري بعدما تزوجا «خطيفة» نتيجة رفض تلك العائلة ارتباط ابنتهم بشاب من انتماء ديني آخر، فان الواقع اللبناني يشي بكوابيس من «الشر المستطير» في السياسة والامن وسواهما.
فلم تكد ان تنتهي عملية «جردة الحساب» في شأن «الارباح والخسائر» من جراء عدم اجراء الانتخابات النيابية، وتالياً تمديد عمر البرلمان الحالي لسنة وخمسة أشهر، حتى تحول مأزق تشكيل الحكومة الجديدة الى ما يشبه «القدَر السياسي»، الذي يحول دون ولادتها، في اللحظة التي صار الكلام عن فراغ في الرئاسة الاولى مرادفاً لمقاربة استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد 10 اشهر من الان.
ثمة مرارة في بعض اوساط تحالف «14 آذار» لنجاح «حزب الله» في «اقتيادهم» الى خياراته نتيجة شعورهم بان عدم اجراء الانتخابات النيابية في يونيو الماضي كان حاجة للحزب الذي بدّل من اولوياته عندما قرر الانخراط بـ«قضه وقضيضه» في الحرب في سورية، تماماً كما انه صاحب المصلحة في بقاء حكومة تصريف الاعمال ما دام غير قادر على ضمان مجيء حكومة جديدة بشروطه؟
واقرت اوساط في «14 آذار» باستحالة تشكيل حكومة بمشاركة «حزب الله» نتيجة تورطه في سورية، تماماً كاستحالة تشكيل حكومة من دونه نتيجة اصرار زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، الذي يحرص على تطبيع علاقته بـ»حزب الله»، على قيام حكومة سياسية جامعة، الامر الذي بدا رئيس الجمهورية ميشال سليمان اكثر ميلاً له.
ويوحي هذا الانسداد السياسي بان طرفي الصراع يسلمان بتعليق تشكيل الحكومة الى حين اتضاح الخيط الابيض من الاسود في سورية، تماماً كما جرى مع تعليق الانتخابات النيابية، وخصوصاً ان «14 آذار» لا تملك النصاب السياسي الدستوري الكافي لامرار حكومة بلا «حزب الله»، ولن تسّلم في الوقت عينه باشراكه في الحكومة بعد تورطه في سورية ووضعه على لوائح الارهاب الخليجية ومناقشة امكان وضعه على لوائح الارهاب الاوروبية.
هذا المأزق ربما يفسر ما يشاع في بيروت عن نصيحة سعودية بعدم الاستعجال في تشكيل الحكومة، فالرياض لا تشجع بطبيعة الحال على اشراك «حزب الله» في الحكومة بعدما وصفته بانه «قوة احتلال» في سورية ودعمت اجراءات وضعه على لوائح الارهاب في دول مجلس التعاون الخليجي واتهمته بتعريض استقرار لبنان لاخطار جسيمة.
اوساط «الثنائي الشيعي»، اي حركة «امل» و«حزب الله» بدت مطمئنة الى عدم قدرة «14 آذار» على ليّ ذراع «8 آذار» من خلال تشكيل حكومة غير سياسية، لاعتقادها ان الفريق الاخر لا يملك القدرة على ادارة اللعبة بمفرده او ارغام «حزب الله» على تقديم تنازلات؟ فـ«14 آذار» ليست في موقع «ابتزازنا»، بحسب تلك الاوساط، التي لا يضيرها بقاء حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
وسر اطمئنان «الثنائي الشيعي» مرده اولاً لاعتقاده ان جنبلاط، الذي يقرأ جيداً «حجم الصراع» في سورية والمهجوس بالاستقرار في لبنان، لن يحيد عن دعمه لقيام حكومة سياسية، وان الرئيس سليمان لن يجعل توقيعه على حكومة لا يرضى بها «حزب الله» اشبه بـ«رصاصة رحمة» على امكان تمديد ولايته، وهو الذي يدرك استحالة التوافق على رئيس آخر للجمهورية.
ورغم كلام الرئيس المكلف تشكيل الحكومة تمام سلام ان لـ«الصبر حدود»، فمن المرجح ان يستمر اسير «غابة الشروط»، التي تحدث عنها، خصوصاً انه يتعامل مع مناورة رئيس البرلمان نبيه بري، الذي يفاوض باسم «الثنائي الشيعي»، تاركاً لشريكهما المسيحي العماد ميشال عون التفاوض عن نفسه، بحذر شديد.
وقللت اوساط «الثنائي الشيعي» من اهمية ما يتم التداول به عن ميله لعودة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري الى ترؤوس الحكومة، في ضوء موقفه السلبي من البدائل (كالرئيسين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة)، مشيرة الى ان عودة الحريري لن تكون الا في اطار تسوية مع المملكة العربية السعودية حيال سورية، وهو الامر غير المتاح حالياً بعدما تحولت السعودية رأس حربة في مشروع يطمح الى فرض الهزيمة على الرئيس بشار الاسد ومعه «حزب الله».
وحصيلة هذه اللوحة المعقدة، التي يتداخل فيها المحلي بالاقليمي تؤشر الى ان لا حكومة جديدة في لبنان، الذي قد ينصرف الى ملاقاة الاستحقاق الرئاسي الداهم في مايو المقبل، وسط التحولات المفتوحة على متغيرات ربما تكون غير محسوبة نتيجة «ًصراع الغلبة» الدائر على ارض سورية.
ورغم صعوبة استشراف الظروف التي ستحوط الاستحقاق الرئاسي بعد 10 اشهر، فان الفراغ قد يكون الاحتمال الاكثر رواجاً، وخصوصاً ان «حزب الله» قد يجعل من عدم التمديد للرئيس سليمان «جائزة ترضية» لزعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، بعد «تنظيم الخلاف» بينهما اثر الازمة الفعلية التي انتابت تحالفهما نتيجة تحميل عون «حزب الله» مسؤولية تصعيب وصوله الى الرئاسة الاولى من خلال دعم التمديد للبرلمان الحالي، واطاحة امكان تعيين صهره (العميد شامل روكز) قائداً للجيش بعدما اختار الحزب دعم التمديد لقائد الجيش الحالي العماد جان قهوجي.
وسط السير في اتجاه «الحائط المسدود» برزت دعوة مفاجئة، بدت وكأنها من خارج السياق، أطلقها الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، من اجل الحوار والتهدئة، معلناً «مد اليد» للاخرين واستعداد حزبه للعودة الى طاولة الحوار لمناقشة «الاستراتيجية الوطنية للدفاع».
اوساط سياسية مراقبة قرأت في مواقف نصر الله استمراراً لمحاولة اطفاء المحركات في لبنان خدمة لمعركته الاستراتيجية في سورية، فإظهاره قدراً كبيراً من المرونة تشبه «العلاقات العامة»، يأتي في سياق محاولته احراج المعترضين على تورطه العسكري في النزاع السوري.

السابق
الحرب في سورية توسع الخلاف بين المرجعيات الدينية الشيعة في العراق وايران
التالي
حوري: من مصلحة لبنان عدم إدراج “حزب الله” على لائحة الإرهاب