نحو مخرج دولي… إذا توافق لبنان!

تأتي زيارة رئيس وزراء فرنسا السابق فرنسوا فيّون الى بيروت، في إطار الإهتمام الأوروبي المتنامي بلبنان حاضراً ومستقبلاً. وهو أنهى مهمّة نوعيّة، وصفها ديبلوماسيون محترفون بـ"المسح المعلوماتي الشامل"، فيما وصفها آخرون بـ"الاستطلاعيّة الواسعة، والاستقصائيّة المدققة حيال عدد من الملفات".

فيّون من الشخصيات البارزة ضمن فريق عمل أوروبي شبه مستقل، غير بعيد عن دوائر القرار، مهماته متشعّبة، نطاق اهتماماته في مناطق التوتر، كما هي الحال في الشرق الأوسط، والدول التي يشملها التغيير. ليس له صبغة سياسيّة محدّدة، وبالتالي غير "مسيّس"، ويتصف عمله بالتخصّصي – الاستراتيجي.

ترك تقرير بيكر – هاملتون حول العراق، الذي صدر قبل سنوات، أصداء واسعة في الاتحاد الأوروبي، إذ رفعت العديد من مراكز الأبحاث والدراسات توصيات الى حكومات دولها تطالب بفريق عمل أوروبي رفيع متخصّص على غرار فريق العمل الأميركي الذي استحدث حول العراق برئاسة بيكر – هاملتون، والذي عرف لاحقاً بـ"فريق الأزمة"، وأعدّ خريطة طريق حيال الانسحاب، وأيّ عراق يبقى بعده؟! وتستفيد من هذا العمل الحكومات التي يعنيها الوضع في المناطق المضطربة، خصوصاً في الشرق الأوسط، والعالم العربي.

شكّل ملف النزوح السوري دسم المحادثات، واكتشف فيّون "ثغرات"، ولاحظ أنّ الجميع متخوّف، والجميع له مآخذه وملاحظاته، ولكن كلّ طرف يخشى الآخر، وبدلاً من أن تكون هناك طاولة نقاش للوصول الى تصوّر وطني حيال سبل تجنّب التداعيات الخطيرة، غاب الحوار، وحلّت الإتكالية مكانه والكيدية، والنأي بالنفس عن تحمّل المسؤولية، فضلاً عن إكتشاف بوادر إستغلال سياسي، وطائفي، ومذهبي، وتوريط النازحين، او فئة كبيرة منهم، في الصراعات الداخليّة؟!

وجد أيضاً أنّ التدخّلات الخارجية لا يستهان بها، وأنّ نفوذ بعض الدول ماثل وواضح، حتى الدول المانحة تستنسب قبل أن تقدّم المساعدات، وتريد أن تعرف مسبقاً من هي الجهة او الجهات المخولة استلام الهبات خصوصاً المالية منها، وعلى من يفترض أن تنفق، بعد التثبت من الأوراق الثبوتية، والتأكد من المناطق التي إنطلق منها النزوح، ومن هو المستفيد الفعلي؟ وهل يدين بالولاء للمعارضة أم للنظام؟ وهل هو مع المعارضة المعتدلة، ام من أنصار تنظيم "القاعدة"، و"جبهة النصرة"، والتنظيمات الأصوليّة الأخرى المتطرّفة؟!

تركيا وضعت خطة لمعالجة قضية النازحين، ونجحت في إستيعاب المشكلة. العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني نجح في وضع هذا الملف تحت السيطرة. في لبنان الوضع مختلف، رؤوس كثيرة، وآراء مختلفة متضاربة، وفراغ، وانعدام روح المسؤولية في التخطيط والإعداد والتنفيذ.

حتى الأرقام تتحدث عن فوارق كبيرة، المنظمات الإنسانية المختصّة تتحدث عن 600 ألف نازح تقريباً، فيما تتحدث المرجعيات المسؤولة عن مليون و200 ألف لاجئ؟! العدد كبير، الفارق مخيف ومقلق، أين الحقيقة، وهل هناك من يتعمّد "السترة"، ويرفض تسجيل إسمه لكي لا ينكشف أمره، او تؤدي الظروف والأقدار الى فتح تحقيق في سجلّه الذي تعوزه البراءة؟!

بعد الزيارة، تطوّر الحديث الأوروبي عن إمكان إستحداث صندوق دولي لدعم النازحين خصوصاً في لبنان. يندرج الإقتراح ضمن قائمة تحوي العديد من الأفكار القابلة للبحث والتنفيذ. البعض يقترح حلولاً موقتة، كأن تقدّم الدول المانحة مساعدات مالية وغذائيّة وفق معايير محدّدة. البعض الآخر يريد حلولاً بعيدة الأمد، "العودة ليست غداً، ولا حتى على مدى عقد من الزمن"، وهناك تبعات وتداعيات.

الممثل المقيم للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يملك ملفه، وله وجهة نظره التي يرفعها الى رؤسائه. سفراء دول الاتحاد الأوروبي لهم مقارباتهم الخاصّة، "المسألة تتخطى النزوح كإعتبار إنساني، لتلامس الخطوط الحمر الوطنية، حيث هناك خطر على الديموغرافيا، خطر على التوازن الطائفي المذهبي الدقيق. خطر على القدرة على الاستيعاب سكنيّاً، وإقتصاديّاً وإجتماعيّاً".

يؤسّس هذا التحرّك الى عمل دولي كبير ومسؤول من خلال الأمم المتحدة، ومع بدء الدورة العادية للجمعية العامة في النصف الثاني من أيلول المقبل، فهل يكون على مستوى مؤتمر دولي لطرح الموضوع بكامل تفاصيله وأبعاده وخلفياته؟ هل يكون على مستوى مجلس الأمن لاستصدار قرار بحجم التحدّي وتداعياته؟ هناك عمل ينفّذ في الخارج، ولكن ماذا عن لبنان الدولة والمؤسّسات والفاعليات؟

يفترض أن يكون له رأي، ووجهة نظر، فالمسألة تتعلّق به، يفترض أن يكون له تصوّر واضح، وخطة جاهزة للتنفيذ، لكن كيف يكون له ذلك، وحكومته مستقيلة، وخطابه الكيدي المرتفع يباعد ويفرّق أكثر مما يجمع ويوحّد؟!  

السابق
جهاد النكاح في رابعة العدوية
التالي
حرب حزب الله على الشعب السوري أيضا