الإرباك الأميركي وضغوط المتآمرين


مع بداية الأحداث في سورية من خلال مؤامرة دولية وإقليمية وعربية كان هدفها الأساس وشعارها الأوحد إسقاط النظام على خلفية كاذبة وواهية وهي تحقيق إصلاحات سياسية وصولاً إلى ديمقراطية مزيفة وإعطاء المزيد من الحريات والتعددية الحزبية والسياسية بادرت الدولة السورية إلى إنجاز المزيد من الخطوات الإصلاحية الحقيقية أكان على مستوى الدستور أو قيام أحزاب جديدة متنوعة وغيرها من الإصلاحات ما كشف خيوط المؤامرة الكونية على سورية لأنه بعد هذه الخطوة التي بادرت إليها القيادة في سورية بشخص الرئيس بشار الاسد لم نعد نسمع شيئاً عن موضوع الإصلاحات والحريات والديمقراطية وتبين أن حقيقة ما تريده الجهات المتورطة في الحرب على سورية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية هو تفتيت سورية وضرب مؤسساتها ووحدة شعبها وصولاً إلى تغيير النظام السياسي القائم وإضعاف الدولة السورية لكي تصبح دولة فاشلة في المفهوم العالمي.
وترى مصادر دبلوماسية أنه بعد مرور أكثر من عامين على الأحداث في سورية والرهانات المتعددة والمتجددة وتحديد المواعيد المتكررة لقرب إسقاط الدولة السورية الوطنية وبعدما فشلت كل الوسائل التي اتبعتها تلك الدول والجهات الدولية والإقليمية وبعض العرب من تدمير وقتل ممنهج وعمليات تفجير شهدتها أكثر من محافظة سورية وحشد آلاف المقاتلين المرتزقة من التنظيمات الإرهابية التكفيرية من أكثر من 29 دولة في العالم وهذا باعتراف أجهزة مخابرات غربية وروسية تعود تلك الجهات والتي ما زالت تراهن على العمل العسكري في سورية لتمارس ضغوطاً شتى على الإدارة الأميركية من أجل منحها فرصة أخيرة في محاولة لقلب موازين القوى على الأرض أو على الأقل لتعديلها لكي تصبح ورقة فاعلة في أية مفاوضات مقبلة في جنيف الثاني.
هذا التوجه ترجمه كلام رئيس «الائتلاف الوطني» الجديد والذي قال صراحة إن الائتلاف لن يشارك في أي حوار إلا بعد تحقيق إنجازات على الأرض لمصلحة التنظيمات الإرهابية أو ما يسمى «الجيش الحر».
وتؤكد المصادر بوجود جناح داخل المملكة العربية السعودية وجناح آخر داخل الإدارة الأميركية يدعمان التوجه إلى العمل العسكري واستمراريته على الأرض السورية وتقديم المزيد من المال والسلاح المتطور إلى المجموعات الإرهابية التكفيرية من أجل تحقيق توازن ما على الأرض في مواجهة الجيش السوري مع العلم أن تلك الجهات المتورطة في الحرب ضد سورية لم تستطع تحقيق مكاسب ميدانية منذ أكثر من سنتين يمكن أن تُصرف سياسياً ولذلك إن الجناحين السعودي والأميركي يخوضان المعركة ضد سورية في سياق المخطط المرسوم وهو إخراجها من دورها الإقليمي والعربي وترويض محور المقاومة وأنه إذا لم يكن بمقدورها إسقاط النظام كما يتمنون فعلى الأقل استنزاف سورية بحيث لا تكون دولة مركزية قوية وإضعاف خطر المقاومة مروراً بحزب الله وصولاً إلى إيران لأنه في اعتقادهم عندما تضعف سورية فهذا سينعكس سلباً على خط المقاومة والممانعة في المنطقة.
وكشفت المصادر الدبلوماسية عن أن موضوع إسقاط النظام أصبح وراءنا لأن الجميع سلموا بعدم قدرتهم على تحقيق هذا الأمر ولذلك هم يركزون في هذه المرحلة على تغذية العامل الطائفي والمذهبي خصوصاً بين السنة والشيعة ويحاولون وضع ثقلهم في معركة حلب وفي منطقة درعا مراهنين على تعويض خساراتهم وهزائمهم في القصير وفي حمص ودمشق وريفيهما. من هنا يمكن التوقع بأن عملية الاستنزاف ستستمر وتتصاعد لأنهم يريدون أن تصل الدولة السورية الوطنية إلى أية مفاوضات وهي منهكة بكل مؤسساتها وهنا نفهم طبيعة الضغوط الاقتصادية والاستنزاف السياسي والاجتماعي بالإضافة إلى الاستنزاف العسكري في محاولة لإعادة فك الارتباط بين السلطة والشعب السوري الداعم لها عن طريق الضغط المعيشي.
وتعتبر المصادر الدبلوماسية أنه بسبب الإرباك الذي يسيطر على الرئيس الأميركي أوباما نتيجة التناقضات بين الكونغرس والمخابرات والخارجية والبنتاغون حول الوضع في سورية فإن بعض الدول الإقليمية والعربية الداعمة لاستمرار العمل العسكري يحاولون استغلال حالة الإرباك التي يعيشها الرئيس الأميركي لممارسة المزيد من الضغوطات عليه لتأييد وجهة نظرها من ضرورة تبني الحل العسكري في سورية ولذلك تقول المصادر الدبلوماسية إننا أمام مرحلة تصعيد على كل المستويات والدولة السورية الوطنية من جهتها لن تعطي بالسياسة والاقتصاد ما لم تعطه في الحرب فروسيا وإيران أيضاً ليستا في وارد تقديم أي تنازلات على هذا الصعيد. وعلى الرغم من ذلك فإن الإدارة الأميركية وحلفاءها في المنطقة ما زالوا يراهنون على إيصال الدولة السورية إلى مرحلة شبيهة بالوضع العراقي أي أن تصبح من دون قرار ولا تعود سورية قوية ومنيعة كما كانت في السابق.

السابق
هل ينفذ الاسد تهديداته لاسرائيل؟
التالي
هكذا تجري مكالمة من بريدك Gmail